(رَحْمَةً) هذا تأكيد على أن الرحمة مصدرها اللَّه تعالى، إشارة إلى وجوب اختصاصه بالعبادة وحده، لأن الرحمة كانت ولم تكن من غيره مما سموه واتخذوه أنداد لله تعالى.
(إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا) هذا جواب الشرط (إِذَا أَذَقْنَا) وصدَّر الجواب بـ (إِذَا) التي هي للفجاءة، ودلالتها في هذا المقام أنهم في بأسائهم كان ينخفض وراء خضوعهم الظاهر جحود قد استبطنوه، سترته الشدة وكشفته الرحمة، فظهر مكنون نفوسهم وهو مكرهم في آياتنا، يقولون إنها سحر مبين أو بهتان وإفك، أو يقولون: إنما يعلمه بشر، واللَّه رادٌ كيدهم بتدبيره الحكيم. (مَّكْرٌ) المكر هو الكيد الخفي، وقد قال سبحانه: (قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا) فإذا بدا المكر السيئ الذي أخفته الضراء، فإن تدبير اللَّه ورده عليهم أقوى وأحدُّ.
ثم يبين سبحانه علمه بما يبدون وما يخفون وما يسرون ويعلنون، فقال سبحانه (إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرونَ) وهم الكرام الحفظة الكاتبون من الملائكة.
وفى هذا إشارة إلى دقة ما يعلمه عنهم، وإلى أن ما يدبرون يعلمه - سبحانه وتعالى - في وقته فيكتبه.
وقد ذكر سبحانه وتعالى حال الإنسان في ضعفه، وكيف يلجأ إلى ربه مخلصا وأعدا بالشكر وعدا مؤكدا فإذا خرج من شدته كفر أو ظل على كفره، فقال تعالى:
(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢)
صورة للنفس الكافرة تصيبها الشديدة ويحيط بها ما تكره فتذعن وتخلص وتلجأ إلى قوة اللَّه تعالى خالق كل شيء واعدة وعدا مؤكدا بالشكر إذا نجت، فإذا نجاهم عادوا كما بدأوا كافرين.