(وَقَالَ شُرَكاؤُهُم) الشركاء هم الأنداد التي عبدوها أو غيرهم، وسموا شركاؤهم؛ لأنهم انتحلوا لهم الشركة فعلا، وإن لم يقولوها قولا.
وقال هؤلاء نافين نفيا باتا: (مَا كنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ) أي ما كنتم تسمونه عبادة ليس عبادة، فما عبدتمونا ولكن عبدتم أوهامكم وما حسبتوهم آلهة بإيعاز الشيطان، كما جاء على لسان عيسى ابن مريم عليه السلام:
(... قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧).
وفى قوله تعالى: (مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ) النفي مؤكد قاطع؛ لأنه نفي في الماضي والمستقبل، وأن ما كانوا يسمونه عبادة ليس عبادة مطلقا وأن من خصوهم بالعبادة ينكرونها فليسوا أهلا لأية عبادة.
وقد يسأل سائل: كيف كانت الحجارة التي تمثلوها آلهة تنطق بذلك النفي؛ فنقول: إن ما عبدوهم من الأنبياء كعيسى يقول ذلك، أما الحجارة فينطقها اللَّه فتقوله، أو هو تصوير لحالها في أمرها وأمرهم واللَّه تعالى شاهد.
يقول تعالى:
(فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (٢٩)
هنا يوثق المعبودون قولهم بشهادة اللَّه تعالى: (الفاء) في قوله تعالى:
(فَكَفَى) عاطفة لتأكيد قولهم، والباء في قوله تعالى: (بِاللَّهِ) زائدة مقوية لمعنى الشهادة، أي كفانا اللَّه تعالى شاهدا في بطلان ما تَدَّعوه من أنكم كنتم تعبدوننا ثم أكدوا بأنهم كانوا لَا يعلمون (إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ).
(إن) هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف، ويدل عليه الخبر، وهو (كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ).