والتعبير بالمضارع لإفادة استمرار البدء والإعادة، كالزرع في خلقه وتكوينه ثم يصير حطاما، ثم يعاد مرة أخرى.
وفى النص الكريم إشارة إلى القدرة على الإعادة كالقدرة على الابتداء، كما قال في آية أخرى: (... كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)، فالإشارة واضحة إلى إمكان البعث بل وجوبه وقد أنكروه ولأنهم لَا يؤمنون بالإعادة وينكرونها أمر اللَّه تعالى نبيه بأن يتولى الإجابة على إنكارهم، وللإشارة إلى أن ذلك موضع تسليم لَا امتراء عند أهل العقول المستقيمة، وأيضا لمنع لجاجتهم ولإرشادهم إلى الحق: (قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) وإذا كانوا ينكرون الإعادة من اللَّه فأولى أن ينكروها من أحجار لَا تضر ولا تنفع، بل إنهم يعلمون أنها لَا تستطيع الإنشاء فأولى ألا تستطيع الإعادة.
ولذلك تولى النبي - ﷺ - الإجابة ليقيم الحجة عليهم بأن ما بدأ يستطيع الإعادة (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي تصرفون عن الحق إلى الباطل.
(الفاء) لترتيب الاستفهام الإنكاري على إنكارهم المستمر والموقف السلبي الذي يقفونه لَا يتحركون بخطوة إيجابية إلا في الإيذاء والاستهزاء والفتنة في الدين، والاستفهام إنكاري لإنكار الواقع، فاللَّه تعالى ينكر انصرافهم عن الحق ولجاجتهم في الانصراف والاستمرار في غيهم (فَأَنَّى) بمعنى " كيف ".
ثم يبين سبحانه أنه الذي يهديهم، وأن الأوثان لَا تهدي بل يضلون بها، فقال تعالى:
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥)
يخاطبهم سبحانه على أنهم عقلاء مدركون لمعنى الهداية والرشاد ويسألهم إذا كان هؤلاء على ما ترون؛ فهل يهدونكم إلى الحق كشأن التابع للمتبوع.


الصفحة التالية
Icon