فى مسارعتهم إلى التكذيب واللجاجة فيه ثم المعاندة والمقاومة بالعنف من غير إدراك سليم، وهذه الحال هي حال الذين من قبلهم فإذا تشابهت الحال فلا بد أن تتشابه النتيجة أو الأثر، ولذا قال سبحانه: (فَانظُرْ كَيْفَ كانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) أي فانظر على أي حال كانت عاقبة الظالمين كانت ريحا صرصرا عاتية، أو ريحا فيها عذاب شديد، أو جعل أرضهم دكا سَافِلها عاليها أو خسف بهم الأرض أو غير ذلك من آيات اللَّه الكبرى في الذين يظلمون أنفسهم ويظلمون الحق معهم، وإذا كان اللَّه قد أمهل المشركين ولم ينزل بهم ما أنزل بالذين من قبلهم، فلكي يستمر اختيارهم وعسى أن يخرج اللَّه من أصلابهم من يعبده.
وفى قوله تعالى: (كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) إظهار في موضع الإضمار، لبيان أنهم ظلموا أنفسهم وظلموا الأنبياء الذين أرسلوا إليهم وأنكروا حقائق ثابتة قد خلت فيمن ظلموا.
وإن الحقَ حقٌ في ذاته، سواء أكثُرَ من آمنوا به أم قلوا، وسواء خضع له أو لم يخضع، والثواب لمن آمن واهتدى والعذاب لمن كفر.
ولذا قال تعالى:
(وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠)
الضمير في كلمه (مِنْهُم) يعود على المشركين في قريش، أما ضمير في كلمة (بِهِ) فيعود على القرآن الكريم.
وإنه من نعم اللَّه على الخلق أن لم يجعلهم جميعا على كلمة الشرك أو الإنكار، بل منهم من يذعن للحق فيسارع إليه كما يسارع المشرك إلى الإنكار.
وهذا الكلام فيه تبشير للنبي - ﷺ - بأنه مع هذه الحال الحالكة المظلمة سيكون من يؤمن ومن يجدد إيمانكم في كل الأزمان ويصدق بالقرآن ويذعن له، فالقرآن باقٍ خالد محفوظ، ونور يهدي ما بقي الإنسان في هذه الأرض.