أحصْيها عليكم ثم أوفِّيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " (١).
وإذا كان اللَّه تعالى لَا يظلم أي قدر من الظلم قلَّ أو جلَّ فإن نزول العذاب بالناس بظلمهم لأنفسهم، ولذا قال تعالى: (وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
وهذا استدراك من النفي السابق، وإذا كان اللَّه لَا يظلمهم فهم يظلمون أنفسهم، وقدم المفعول على الفعل للاختصاص أو القصر، أي هم يظلمون أنفسهم ولا يظلمون سواها، كما سبق قوله تعالى: (... إِنَّمَا بَغْيكُمْ عَلَى أَنفُسِكم...) وذلك، لأن الظالم يقع ظلمه على نفسه ابتداء؛ لأنه يفسد فطرته وتكون غشاوة على قلبه فتنقص مداركه وتسوء معاملته، ويسيء إلى نفسه ثم يتردى في أسباب الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة.
يقول تعالى:
________
(١) سبق تخريجه.
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥)
وإن العذاب يجيء إليهم في الآخرة كما ذكر سبحانه:
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ) أي جزء من الزمان قليلا من النهار، وذكر النهار، لأن الليل قد يستطيل الإنسان وقته، ولأن الحشر وكأنه يجيء في غير ظلام بل في إشراق ليستبين المهتدي من الضال، كما قال تعالى: (... كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ...)، وقوله تعالى: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا).
والمراد أن يوم الحشر لَا يحسون فيه بفاصل زمني بينهم وبين ما كانوا عليه في الدنيا، فيحسون أن الدنيا بطولها ليست إلا زمنا قصيرا قضوه فيها، وفي ذلك إشارة إلى قصر الدنيا مهما طالت فلا يحسون بها إلا زمنا قصيرا، وقد قال تعالى