فمنهْم من جاء لتربية القوة والعزة كما هي شريعة التوراة التي نزلت على موسى، ومنهم من جاء لتربية الروح والنفس كما هي شريعة عيسى لبني إسرائيل الذين غلظت أكبادهم.
وقوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ) أي جاء في وسطهم يدعوهم إلى سواء السبيل، كان من أجاب منهم له ثوابه ومن أعرِض ونأى بجانبه حق عليه عقابه، وهذا معنى قوله تعالى: (قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
ونرى أنه لَا تعارض بين الاتجاهين، ويمكن الجمع بينهما، فيكون الرسول داعيا في الدنيا، ويكون في إجابته المهتدي والضال، ثم يكون يوم القيامة شاهدا على الفريقين، واللَّه أعلم.
(وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٨)
وإن المشركين في إنكارهم للبعث يستعجلونه إن الأساس في رد دعوات النبيين إلى الرسالة الإلهية وهو إنكارهم البعث والنشور وكفرهِم بما يغيب عنهم، ولذا يكون استغرابهم من دعوة الرسل وإجابتهم واحدة (مَتي هَذَا الْوَعْدُ) والخطاب في هذه الآية للرسل، والقائلون هم المشركون، فالضمير في كلمة (يَقولُونَ) للمشركين لأنهم الذين يجادلون النبي - ﷺ -.
(مَتَى هَذَا الْوَعْدُ) الاستفهام هنا للتعجب والاستهزاء، وللاستفهام عن الزمن البعيد عن الوعد الذي يكون وراء البعث، والوعد هو الإنذار الشديد بالعذاب الأليم فيقولون ساخرين: متى يكون ذلك الوعيد؛ ويكررون ذلك الاستفهام المستهزئ الذي ينم عن الاستهانة وعدم الاهتمام غرورا بأنفسهم وانغمارا في لذاتهم.
وأعقبوا الاستهانة والاستهتار بقولهم: (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) أي أنهم يردفون الاستهزاء بتكذيب الرسل، ولابد من الإشارة إلى أن ذلك يتكرر في خطاب كل


الصفحة التالية
Icon