الرسل، وأن الكفر بلسان واحد في الاستنكار والاستهزاء؛ ولذا جاء الخطاب للرسل أجمعين لَا لمحمد - ﷺ - وحده، لأن دعوتهم واحدة، ورد المشركين واحد، وإن كان المتحدث عنهم مشركو العرب؛ لأنهم صورة منهم بل أوضح صورة عند محمد - ﷺ - طلبوا منكرين ومستهزئين، وكرروا الطلب متى هذا الوعد؛ وهو العذاب الذي أوعَدْت، فأمر اللَّه تعالى نبيه - ﷺ - أن يقول لهم:
(قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩)
طلبوا مستهزئين غير مبالين أن يحل بهم ما وعد اللَّه من عذاب فأمر اللَّه نبيه - ﷺ - بأن يقول لهم إنه لَا يملك ذلك وإنما يملكه اللَّه تعالى وحده، ويقول لهم - ﷺ - إنه إنسان مثلهم لَا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، وبالأولى لَا يملك لغيره ثم بالأولى لَا يملك ضررا عاما يعم المشركين جميعا كما يطلبون.
(قُل لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) وقدم الضر على النفع؛ لأنهم يطلبون أن ينزل بهم ما يضرهم فكان الرد بنفيه أولا، فإذا كان لَا يملك أن يضر نفسه فلا يملك أن يضر غيره.
وقوله تعالى: (إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) استثناء يبين كمال سلطان اللَّه وأنه وحده الذي يشاء ويختار وينفذ في الوجود الكوني ما يشاء هو، لَا ما يشاء غيره، والمعنى هنا إن شاء فالذي يملك سبحانه وإن لم يشأ فلا أملك، والاستثناء بقوله: (إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) حيث الإرادة والاختيار المطلق للَّه تعالى وحده كقوله سبحانه: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ...)، فهي دالة على اختياره المطلق ومدلول هذا الاختيار أنه لو شاء لضَرَّ، فليس أمر هذا الكون أو الإنسان يقع بغير اختياره، وهذه إجابة فيها بيان أنه - ﷺ - ليس مغترا كاغترارهم وأن قوته محدودة ولا يدعي ما ليس له مثله، ومع هذه الإجابة إجابة أخرى هي قوله تعالى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) أي زمن محدود تنتهي عنده، والأمم السابقة كان أجلها


الصفحة التالية
Icon