أولا - قوله (أَرَأَيْتُمْ) هو استفهام عن الرؤية البصرية أو القلبية، وقد قلنا: إن الكلام يتضمن تصوير العذاب الذي يستهزئون به أنه لم يقع، والزمخشري يقول: (أَرَأَيْتُمْ) تدل على طلب الإخبار، أي أخبروني ما هي حالكم إذا نزل بكم العذاب بياتا أو نهارا.
ثانيا - عبَّر سبحانه عن نزوله ليلا بقوله: (بَيَاتًا) للدلالة على السكون والاطمئنان وأنه يجيئهم وقت اطمئنانهم وسكونهم فيكون أشد وقعا.
ثالثا - إن جواب الشرط في قوله تعالى: (إِنْ أَتَاكمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا) محذوف وهو الندم على الاستعجال والإحساس بالهول الشديد.
رابعا - قوله تعالى: (مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) وصفهم بالإجرام، أولا والإشارة إلى سبب إنكار البعث وعذاب اللَّه الذي يستحقونه وهو إيغالهم في الجريمة وللتوبيخ على فعلتهم، وقد قال في ذلك الزمخشري: " إن في حق المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه وان أبطأ فضلا عن أن يستعجله ". فيشير بهذا إلى أنهم كان يجب عليهم أن يشعروا بالجريمة وأنها تستدعي عقابا لَا محالة؛ وذلك يوجب عليهم أن يتوقعوه لَا أن يستعجلوه.
إن وعد اللَّه على لسان نبيه - ﷺ - آت لَا محالة يوم لَا ينفع نفس إيمانها بعد أن كفرت، ولذا قال تعالى:
(أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١)
(ثُمَّ) عاطفة وهي للترتيب والتراخي، والترتيب هو ترتيب الاستفهام بعد الاستفهام، والاستفهام السابق كان لتصور العذاب وحالهم عنده ليعتبروا ولا يستعجلوا، وجاء الاستفهام الذي يليه وقد وقع العذاب فعلا؛ فالأول كان لتصوير العذاب متوقعا، والثاني لوقوعه بهم والتفاوت بينهم كالتفاوت بين المتوقع والواقع والتصور والحقيقة، وفيه الإشارة إلى أنهم لماديتهم لَا يؤمنون إلا بما يرون.