" من لَا يَرْحم لَا يُرْحَم " (١) ودفع الظلم والقصاص رحمة، ولذا قال تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ...).
ودفع اعتداء المعتدين رحمة وذلك من قوله تعالى: (... وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضهُم بِبَعْضٍ لفَسَدَتِ الأَرْضُ...).
وإن الموعظة والشفاء والهدى والرحمة للمؤمنين، لأنهم يتعظون بمواعظه ويستشفون بشفائه ويهتدون بهدايته وتنالهم رحمته.
قال البيضاوي في مغزى هذه الآية: " قد جاء كتاب جامع للحكمة العملية الكاشفة عن محاسن الأعمال ومقابحها، المرغبة في المحاسن والزاجرة عن المقابح، والحكمة النظرية التي هي شفاء لما في الصدور من الشكوك وسوء الاعتقاد وهدى إلى الحق واليقين ورحمة للمؤمنين، حيث أنزلت عليهم، نجوا بها من ظلمات الضلال إلى نور الإيمان، وتبدلت مقاعدهم من طبقات النيران إلى مصاعد من درجات الجنان ".
إن من فضل اللَّه على عباده نزول القرآن الكريم المشتمل على هذا الفضل العظيم الذي يقول فيه سبحانه:
________
(١) متفق عليه، وقد سبق تخريجه.
(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨)
أمر اللَّه نبيه - ﷺ - أن يقول: (بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ) أي أن هذا القرآن الذي نزل جامعا للموعظة المبينة وشفاء القلوب وهدايتها، والشريعة هي من فضل اللَّه على خلقه الذي يختص بها من يشاء، وبرحمته على عباده الذين أنقذهم من الضلال، وفي هذا بيان بأن تنزيل القرآن وما فيه هو بفضل اللَّه ورحمته، وتكرار حرف الجر (الباء)، لبيان أن كليهما مراد اللَّه تعالى من تنزيل الكتاب، ثم يبين سبحانه أن هذا القرآن بما فيه هو أساس للسعادة والسرور والفرح لقوله تعالى: