(فَبِذَلكَ فَلْيَفْرَحُوا) والفاء الثانية واقعة في جواب الشرط المقدر المطوي في قوله تعالى. (فَبِذَلِكَ) أي فإن ذلك النزول إذا كان من فضل اللَّه ورحمته فليفرحوا، وتكررت (الباء) لتأكيد أن ذلك الفضل وتلك الرحمة من أسباب الفرحة وهو يزيد على كل خير الدنيا؛ ولذلك قال تعالى: (هُوَ خَيْرٌ ممَّا يَجْمَعُونَ) الضمير في (هُوَ) يعود إلى القرآن بما فيه من موعظة وهداية وشفاء لأسقام القلوب، (خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) أي من أموال ورخاء في الدنيا وأسباب القوة وغير ذلك مما هم حريصون على جمعه راغبين فيه، فإنه إن كان يفرح زمنا فإنه يكون وبالا على صاحبه، والمفاضلة هنا هي بين منافع مادية عاجلة ومنافع روحية، وكلمة خير تدل على أنه بلغ أعلى الدرجات عن هذا الذي يجمعونه.
إن الشريعة الرحيمة التي تشمل الحلال والحرام يخرج الكافرون عن نطاقها ولهذا قال تعالى:
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩)
أمر اللَّه تعالى نبيه - ﷺ - أن يسألهم عن الرزق الذي أنزل إليهم إذ يجعلونه حراما وحلالا من غير أمر إلهي يحل لهم ويحرم. وقد بين اللَّه تعالى في الآية السابقة كيف هداهم وأرشدهم، وفي هذه الآية الكريمة كيف يتلقون رحمة اللَّه إذا انحرفت نفوسهم بالشرك.
(أَرَأَيْتُم) استفهام إنكاري والإنكار منصب على الرؤية وما بعدها من جعلهم بعضه حراما وبعضه حلالا، والاستفهام الإنكاري هنا إنكار للواقع، أي بمعنى التوبيخ فاللَّه تعالى يوبخهم على أن جعلوا منه حراما وحلالا.
وكلمة (أَنزَلَ) معناها خلق وأنشأ، وعبر بالنزول باعتبار أن الرزق رحمة نازلة من اللَّه تعالى، أنزل سبحانه من السماء مطرا أنبت به من ثمرات كل شيء مما يأكل الناس والأنعام وهو بمقتضى أصل الخلق والتكوين حلال بالإباحة الأصلية