وهم في ذلك كاذبون، ومعنى يفترون الكذب، أي يقطعون من الكذب قطعا وينسبون إلى اللَّه ما لَا برهان به.
وعد سبحانه بالموصول للدلالة على أنه السبب في الحكم عليهم بعدم الفوز وما يفوزون به في الدنيا إنما هو الأمد القصير، وليس بفوز ما تكون عاقبته عذابا شديدا وندما كبيرا.
والافتراء يكبر ويكبر المفترى عليه، وهؤلاء افتروا على خالق الوجود وهو اللَّه جل جلاله، وأكد سبحانه عدم فلاحهم بكلمة (إِنَّ)، والتعبير بالمضارع في كلمة لَا يفلحون يدل على الاستمرار، وإن من شأن الكاذب على اللَّه تعالى ألا يفلح، ولذا قدمت كلمة (عَلَى اللَّهِ) على كلمة (الْكَذِبَ) لبيان شناعة الافتراء وأنه على رب الوجود ومنشئه وبارئه.
وقد يقول قائل: إننا نرى هؤلاء المفترين الكاذبين ينالون متعا يفوزون بها، فبين اللَّه تعالى أن ذلك متاع الدنيا وأمدها القصير.
يقول تعالى:
(مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)
أي أن ما ينالونه في الدنيا ليس الفوز العظيم الذي يفوز به المتقون ولا الفلاح الذي يناله أهل الحق، وأن من يضحكون قليلا ويبكون كثيرا لَا يعدون فائزين، بل متعجلين لأدنى النفع طاردون للمنفعة الباقية بالمنفعة العاجلة، والتنكير في كلمة (مَتَاعٌ) للتحقير والتصغير، والتعبير بمتاع يومئ إلى أنه قليل غير جليل، وقد حدد بأنه في الدنيا، ويرتضيه من يقبل الدنيا بدل الآخرة، ومن يطلبها ويطرح وراءها الآخرة.
ثم يقول سبحانه في عاقبة من يكذبون على اللَّه ويتحدون الأنبياء: (ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ). كلمة (ثُمَّ)، في موضعها من الترتيب والتراخي، والتراخي زمني ومعنوي، أما الزمني خلاف الرجوع إلى


الصفحة التالية
Icon