ويلاحظ هنا ذكر الذين يظهر خيرهم ولم يذكر الذين يظهر شرهم، وكأنهمِ همل لَا يعدون في الأحياء، فالحياة حياة الروح، ولقد قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢).
فالذي ظهر شره يعد ميتا وإن لم يمت، وإن المشركين مع هذا الخلق وذلك الإبداع منكرِون اليوم الآخر، وأن اللَّه يعيدهم كما بدأهم أول مرة، ولذلك قال تعالى: (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)، (اللام) الموطئة للقسم، أي إن قلت لهم مؤكدا القول بعد هذه الآيات البينات في دلالتها وكمال وضوحها في قدرة الحكيم العليم الخالق لكل شيء، لئن قلت لهم يا محمد إنكم لمبعوثون من بعد الموت، لَا يكون الجواب بالإيجاب بل يكون بالسلب؛ لأن موضع استغرابهم أنه بعد الموت.
وقد أكد اللَّه تعالى قول النبي بالقسم وبالجملة الاسمية وإن المؤكدة (إِنَّكُم مبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ)، كما أكد إجابتهم باللام وبنون التوكيد الثقيلة (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) وقد كانت إجابتهم سلبا مع استغراب وجحود (إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِين) أي إن إجابتهم، إن هذا أمر باطل كما أن السحر أمر باطل، وأن ذكره خيالات وأوهام كما أن السحر خيالات وأوهام، وإن الإخبار بهذا لَا دليل عليه إلا القرآن وإنه لسحر وقول ساحر وما هم بمصدقين لساحر أو مجنون.
(وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (٨)
في قوله تعالى: (وَلَئِنْ) اللام موطئة للقسم، ولئن أخرنا عنهم العذاب الذي نال مثله الذين من قبلهم إلى أمة أي مدة معدودة من السنين المحدودة القليلة؛ لأن التعبير بمعدودة يومئ إلى أنها قليلة، كما قال تعالى عن قول اليهود (وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً...)، فالأمة هنا بمعنى مدة.