لا ييأس منها إلا القوم الكافرون. وكان القول: (كَفُورٌ)؛ لأنه لَا يرجو اللَّه ولا يؤمن بما عنده.
الملاحظة الرابعة: جواب القسم في قوله تعالى: (إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كفُورٌ) فيه تأكيد لعمق يأسه واستيلائه عليه وكفره، وكان التأكيد بصيغة المبالغة وباللام وبالجملة الاسمية وبـ " إن " المؤكدة.
وكل ذلك لأنه مادي لَا يؤمن إلا بالمادة ولا يرجو ما عند اللَّه الذي يعطي ويمنع ويعز ويذل، وهذا حال الإنسان الذي لَا يؤمن إلا بالدنيا، إذا كان المنع بعد العطاء.
أما حاله في النعماء بعد الضراء فقال تعالى فيه:
(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠)
(اللام) ممهدة للقسم وما قلناه في قوله تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً)، يقال هنا، والنعماء هي النعمة السابغة، والضراء ما يضر في الجسم أو المال ويصيب النفس فيوجد بأسا وضرا لَا يرجى زواله عند غير المؤمن.
جواب القسم (لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي)، وكان جواب القسم لدخول اللام، والتأكيد بنون التوكيد الثقيلة، والقسم واللام ذاته تأكيد.
والسيئات الأمور التي ساءته والتعبير بالماضي دليل على تأكيد الذهاب، وهو لا يسند ذلك لِلَّهِ، بل يذكره من غير إسناد للمنعم وكأنه جاء عفوا من غير مسبب الأسباب ومقدر الأقدار.
ومن قوله تعالى، إنه يفرح بذلك ويفاخر به فقال: (إِنَّه لَفَرِحٌ فخُورٌ) أي إنه يغمره الفرح فينسيه ما كان فيه من ضراء وما أصابه من شقاء.