لعلك تارك بعض ما يوحى إليك بسبب إيذائهم المتوالي وسفاهتهم معك، أو يضيق صدرك في عدم خضوعهم للمعجزة الكبرى وقد تحديتهم فعجزوا، ثم طلبوا معجزات أخرى. وهذا هو الذي نختاره.
وقد أنكروا على النبي - ﷺ - أنه فقير (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ منَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).
وأنكروا أن يكون بشرا منهم رسولا (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ...).
أنكروا الأمرين وطلبوا معجزة واقعة لأحدهما وقالوا: (لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ) أي مال مكنوز يفعل فيه مثل الذين يكنزون الذهب والفضة. والمعجزة أن ينزل عليه إنزالا من غير أي سبب من أسباب الكسب فيكون له جبل من ذهب وآخر من فضة، وبذلك يدفع فقره ويكون اتباعه لثروته ولإنزال هذه الثروة والإعجاز بها، أما الأمر الثاني فيدفع بأن يكون معه مَلَك، وتكون الرسالة برسول سماوي لَا برجل يمشي في الأسواق مثلهم، وقد بين اللَّه استحالة ذلك بقوله تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكَا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ).
ولقد كان النبي - ﷺ - حريصا على إيمانهم راغبا فيه، ولذا قال تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦).
ولذا قال تعالى: (إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ)، أي إنك مقصور على الإنذار بمقتضى الرسالة وليس عملك الهداية، بل التوجيه والتخويف لمن عصى، والتبشير لمن اهتدى، وَوَضع العلامات على الطريق لكيلا يضل أحد (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ وَكيلٌ)، أي إنه جل جلاله حفيظ على كل شيء، فتوكل عليه في دعوتك ولا تأبه لهم، فاللَّه سبحانه حافظك منهم ومن طغواهم وهو سبحانه عالم بكل ما يصنعون، ومعاقبهم عليه، وهم راجعون إليه سبحانه وتعالى، ولن يفلتوا من جزاء ما يفعلون، فتوكل على اللَّه الحي القيوم، وامض فيما أمرك به؛ إنه عليم بذات الصدور.
* * *