هذا على أن الخطاب للنبي - ﷺ - ويصح أن يكون الخطاب للمشركين، ويكون الضمير الذي للغائب في قوله تعالى: (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا) يعود على قوله تعالى (مَنِ اسْتَطَعْتُم) في الآية السابقة ويكون المعنى أنهم إذا لم يستجيبوا لكم معشر المشركين بألا يحضروا هذه الموازنة أو يحضروها ولا يستجيبوا لرغباتكم بأن يحكموا بأنه ليس مفترى - فاعلموا معشر المشركين أنه قد بطلت دعواكم بأنه - ﷺ - قد افتراه وقامت الحجة عليكم، وأنه نزل بعلم اللَّه ومنه سبحانه وتعالى، وأنه لا إله إلا هو فانتهوا عن الشرك وبايعوا على الإسلام وكونوا مؤمنين.
والتخريجان محتملان وإنى أميل إلى التخريج الأول فهو أقرب؛ ولأنه لا تقدير فيه، وإن أولئك الذين أنكروا القرآن بعد قيام الدليل بعجزهم عند التحدي إنما يؤمنون بالحسيات فطلبوا أن يكون لمحمد كنز أو يكون معه مَلك، وزين لهم ضلالهم أنه لَا يمكن أن يكون الرسول من عند اللَّه فقيرا، ولابد أن يكون عظيما (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).
ثم بين اللَّه لهم أن الدنيا يعطيها للبر والفاجر، والآخرة لَا يعطيها إلا لمن أحب، وأن التمتع في الدنيا لَا يلزم أن يكون متمتعا في الآخرة، فهما مفترقان وليسا متلازمين، ولكن التلازم في الإيمان والآخرة، ولذا قال تعالى:
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥)
وفى هذه الآية يبين سبحانه أن الحياة الدنيا وزينتها تسير على سنة اللَّه في الوجود مربوطة بالأسباب والمسببات وليسر لها صلة بالفضل في الآخرة، فالحياة وزينتها تكون للمؤمن والكافر إذا أخذ كل منهما بأسبابها، ومتعة الدنيا ليست دليلًا على متعة الآخرة بلِ قد يكون اختيارا شديدا بعده العذاب، كما قال تعالى:
(وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (٣٤) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥).