الأمر الأول: بشارة التوراة والإنجيل به كما قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧).
الأمر الثاني: الذي دلت عليه الآية أنه مصدق لما بين يديه من الكتاب، وأن الإيمان به إيمان برسالة الرسل أجمعين كما صرح بذلك القرآن الكريم.
وقوله تعالى: (إِمَامًا وَرَحْمَةً) وصف لكتاب موسى وهو التوراة التي نزلت عليه ولم ينس منها خط ولم يحرفوها أو يبدلوها، فلا يستدل بالمطبوع الذي يُغيَّر إلى الآن آنًا بعد آنٍ تقرأه تجد في ذاته دليل بطلانه وبرهان بهتانه.
ومعنى قوله تعالى: (إِمَامًا) أنه يؤزم به في الدين، ومعنى (رَحْمَةً) أن ما اشتمل من شرائع في الزواج والطلاق والعقوبات هو الرحمة؛ لأن من رحمة اللَّه بعباده أن يؤخذ الجاني بشدة رادعة زاجرة فالشدة العادلة على الجاني رحمة بالمجني عليه، والرفق معه ظلم وقسوة على المجتمع، وهنا لابد من الإشارة إلى أمرين:
الأمر الأول: كيف يكون ما جاء به موسى إماما يأتم به أتباع محمد - ﷺ -.
الأمر الثاني: أشريعة موسى نسختها شريعة محمد - ﷺ - أم لم تنسخها؟ والجواب عن الأول أن شريعة موسى في ضمن شريعة محمد، ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبع ما جاء به محمد - ﷺ -، فكتاب موسى إمام باعتباره مقدما في الزمن، والشريعتان في معناهما واحد والاختلاف في فروع جزئية تابعة للأزمنة.
أما الإجابة على أن شريعة محمد - ﷺ - نسخت شريعة موسى عليه السلام فهو أن شريعة محمد - ﷺ - نسخت من شريعة موسى فروعا ولم تنسخ أصولا، وما جاء به محمد - ﷺ - هو ما يجب اتباعه. ولقد روى سعيد بن جبير عن أبي موسى - رضي الله عنهما -