استراح إخوة يوسف، أو توهموا أنهم استراحوا، وعشى على قلوبهم الحسد البغيض فلم يدركوا ما صنعوا وبقيت لوعة الشيخ أبيهم تترقب ابنه، ولم يذهب عنه الأمل في لقائه، ولم ييئس (... إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).
ولننظر في قصة القرآن عما جرى ليوسف، وقد ألهمه اللَّه تعالى الاطمئنان، جاءت قافلة تسير فأرسلوا واردهم يتعرف أماكن الماء، فوجد الجب، فألقى دلوه، فلم يخرج الماء، ولكن خرج ما هو أطهر فاستبشر، و (... قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ...)، وأسروه على أنه بضاعة، ولأنها بضاعة جاءت من غير ثمن، باعوه بثمن بخس دراهم معدودة، ولم يكونوا راغبين في اقتناء هذه البضاعة بل كانوا فيه من الزاهدين.
وإذا كان قد استقبل شقوة الحسد، فقد استقبل بعد ذلك بالبشر والحبور، (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا...)، وكذلك أشرق النور في وسط الظلمة.
وبذلك مكن اللَّه تعالى ليوسف، وألهمه اللَّه تعالى تأويل الأحاديث التي تتحدث بها النفس في منامها، (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢).
ولكن النفس الصبور يصقلها الله تعالى بالشدة، وإذا كانت الشدة التي استقبلته أولا كانت تتعلق بحياته أو موته، فالشدة الثانية أخطر على نفس الصديق يوسف.
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عن نفْسِهِ...)، أي أرادته لنفسها، وحاولت أن تخرجه من نفسه الطاهرة الصافية، (... وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ...).
في وقت هذه المحنة النفسية رأى نور الحق الذي يعصم نفسه، فبقي