ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣).
بعد هذه البراءة، وقد تضمنت حياته في السجن دلائل نبوية، ودعوة إلى التوحيد إذ يقول: (... أَأَرْبَابٌ متَفَرِقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) كانت حياة جديدة، دعاه الملك واستخلصه لنفسه، وقال: (... إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ)، تولى أمر المالية المصرية (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٥٧).
كانت مصر في ذلك الإبَّان وما بعده مُستراد الخير (١)، وبتنظيم نبي اللَّه يوسف، وتمكينه من الملك صارت مقصد الشرق، وجاء إخوة يوسف يمتارون، فعرفهم إذ لم يكن التغيير فيهم كبير، ولم يعرفوه إذ ألقوه في الجب غلاما، وقد صار رجلا مكتملا، وقد جهزهم، وأعطاهم ما طلبوا، ولكن قال لهم:
(... ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (٦٠) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (٦١).
وإنه بهم لشفيق إذ قال لمن معه، (... اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يرْجِعُونَ) وذهبوا إلى أبيهم وقالوا: (... يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٦٣) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤).
فتحوا متاعهم فوجدوا بضاعتهم ردت إليهم، ففرحوا وقالوا ما نبغي شيئا فوق ما سهله لنا.
(... قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥).
________
(١) اسم مكان، والمعنى: مكان استيراد الخير لما حباها اللَّه بها من أنواع الخيرات ووفرتها في أرضها الغنية.