الأمر الأول: أنها حروف مفردة لَا يعرفها الأُميّ، ويعرفها الكاتب، فمجيئها على لسان أمي دليل على إعجاز القرآن الكريم.
الأمر الثاني: أنها تشير إلى الإعجاز، فهي تشير إلى أنه مكون من الحروف التي تتكلمون بها، ولكنه معجز، فهو من جنس كلامكم، ولكنكم لَا تستطيعون أن تأتوا بمثله؛ لأنه فوق طاقتكم، وإن كان قريبا لكنه معجزة.
الأمر الثالث: أن كبار المشركين كانوا قد اتفقوا على أن يلغوا إذا سمعوه ليشغلوا أنفسهم، فكان النبي ومن معه من المؤمنين إذا ابتدءوا يقرأون بهذه الحروف الصوتية قطعوا عليهم كفرهم والتفتوا مستمعين ناقضين ما اتفقوا عليه، كما اتفقوا على ألا يذهبوا ويسمعوا، ثم تبين أن المتفقين على المقاطعة، قد اجتمعوا ليسمعوا.
ولذا يذكر القرآن أمر الكتاب بعد هذه الحروف في كثير من السور التي ابتدئت بها، واللَّه أعلم.
(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا... (٢)
الضمير يعود على القرآن الذي تشير إليه هذه الحروف، حتى قيل: إنها اسم للسور التي تصدرتها (قُرْآنًا عَرَبِيًّا) أي أنزلناه كتابا يقرأ عربيا، وليس أعجميا، فهو قرآن عربي، وليس بأعجمي، وهذا النص يدل على أمرين:
الأمر الأول: أنه نزل مقروءا متلوّا، علمنا اللَّه تعالى قراءته وتلاوته، ولم يتركنا نتصرف في قراءته، كما نقرأ كلاما من كلام الناس، بل علمنا قراءته وترتيله، كما قال تعالى: (... وَرَتَلْنَاهُ تَرْتِيلًا). وكما قال تعالى في نزوله، وجبريل يقرئه للنبي - ﷺ -: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩).
الأمر الثاني: إن القرآن المعجز هو العربي، وليست ترجمته قرآنا؛ لأنها من عبارات البشر، ولأن الترجمة لَا يمكن أن تكون محققة لمعاني القرآن، إذ هو