الْقَصَصِ)؛ لأنه قُصَّ بأبدع أسلوب، ولأنه يبين عجائب النفوس، وفيه أحسن الآداب، وما ينبغي لاتقاء آفات النفوس، وانحرافها، ولأن فيها علاج الآفات النفسية التي ينزغ فيها الشيطان نزغته، ولأن فيها علاج الأمم في اجتماعها واقتصادها وإفضاء بالخير على جيرانها، وإمداد المحتاجين من الأمم، ففيه الخير، كما في إمداد الآحاد بالخير.
(بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ) أي أن هذا القصص مصدره الوحي، ولا علم لأحد به حتى يعلمك هذا، ولذا قال: (بِمَا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ)، أي بإيحائنا، ولا مصدر له إلا وحي اللَّه تعالى، وقد أوحى به في ضمن القرآن الكريم، ليكون دليلا من أدلة إعجازه، وسببا من أسباب الإعجاز، إذ أخبر بما هو صادق، ولم يكن للعرب علم به عندهم، ولذا قال تعالى: (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) " إنْ " مخففة من الثقيلة، وإنها ضمير الشأن والحال، والمعنى وإن الحال والشأن كنت من الغافلين، و " اللام " لام التوكيد، وقد تأكد نفي علم النبي بذلك من غير الوحي بـ " إن " المخففة من الثقيلة، و " كان " الدالة على استمرار غفلته عنه من قبل ذلك القرآن المبين الذي أوحى به.
وعبر سبحانه بإثبات الغفلة، لَا بمجرد نفي العلم؛ للإشارة إلى أن هذا من دقائق العلم وعميقه الذي تغفل عنا، العلماء، إلا من يكون آتاه اللَّه تعالى وحيا من علام الغيوب؛ لأنه علم بالنفوس، وخواطرها وما تختلج به الأفئدة، وذلك لا يكون إلا من عليم، وفيه علم كامل بالاقتصاد من غير تعليم أحد من البشر، فعلم يوسف بالاقتصاد الصالح مع النزاهة النبوية علم من اللَّه، فعلمه اللَّه تعالى تأويل الرؤيا الصادقة، وبها اهتدى ودبر الأمر، وادخر من سني الرخاء للشدة، وكان تدبيره خيرا، وبذلك علم الناس، ألا يسرفوا في رخاء حتى لَا يقحطوا إذا اشتدت من بعد.
وقد ابتدأ سبحانه وتعالى ذكر القصص بذكر الرؤيا التي رآها، وهو غلام،
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤)