(إنِّي رَأَيْتُ) من الرؤيا لَا من الرؤية البصرية، فهي رؤيا في المنام، لقول أبيه له فيما قصَّ القرآن الكريم: (لا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ)، الرؤية تكون رمزا لأمور مغيبة، فهذه الكواكب أحد عشر، رمز لإخوته وعددهم أحد عشر، وقد قال في ذلك ابن عباس وقتادة: الكواكب إخوته، والشمس أمه، والقمر أبوه، وهذا تأويل الرؤيا كما فهم يعقوب أبوه عليه السلام، والسجود هو الخضوع، وقد ظهر التأويل الصادق في آخر السورة، وقد خضع لحكمه أبواه وإخوته.
وإن هؤلاء كانوا إخوته من أبيه، كما جاء في حالهم عندما سألهم عن أخ لهم من أبيهم، وهو شقيقه فدل هذا على أنه مع إخوته الأحد عشر من أولاد العلات الذين تختلف أمهاتهم، ويتحد أبوهم، ولا يكونون متحابين كتحاب أولاد الأعيان أي الأشقاء، ويجد الشيطان فرصة لينزغ بينهم.
وقد ذكروا أسماء الكواكب في روايات لم تصح عندنا، ولا نحتاج إلى معرفتها؛ لأن المغزى متحقق، وهو أنه رأى هذه الرؤيا الصادقة، ورؤيا النبيين لا تكون إلا صادقة، ويوسف عندما رآها كان غلاما، ولا يمنع ذلك من أن تكون صادقة، فإن صدق الرؤى ليس مقصورا على الأنبياء، إنما رؤى الأنبياء مقصورة على الصدق، رأى نبي اللَّه تعالى يعقوب عليه السلام، ما يحرك نفوس الإخوة، أن تثير هذه الرؤيا حسد إخوته الذين ليسوا أشقاء فقال:
(لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)
هذا درس حكيم لمن يكون له أولاد علات، يجب عليه أن يعلم أن الشيطان ينزغ بينهم بالعداوة ويزكي لهيب التحاسد بين الأولاد، فيجب عليه أن يمنع ما يوجب التحاسد، فوراء التحاسد التباغض، وعداوة القرابة تكون أشد إزراءً (١)، كما قال الشاعر:
________
(١) جاء في القاموس المحيط (زرى): زَرَى عليه زَرْيا وزِرايَة ومَزْرِيَةً ومَزْراة وزُرْيانًا، بالضم: عابَه، وعاتَبَه.