وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند لم يرد نبي الله يعقوب أن يذكر يوسف الرؤيا لإخوته وقال في سبب النهي عن قص الرؤيا على إخوته (فَيَكِيدُوا لَكَ كيدًا) (الفاء) تدل على أن ما قبلها وهو القصص سبب لما بعدها وهو الكيد، والكيد هنا هو التدبير السيئ الذي يسببه الحسد، الذي هو سلاح الشيطان، لذا قال بعد ذلك (إِنَّ الشَّيطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مبِينٌ) أي إنه عدو لك ولإخوتك، ولذا يغري بينكم بالعداوة والبغضاء، وتكون الإساءة بدل الود.
وإن هذه القصة فيها آيات بينات دالة على النفس الإنسانية في توادها، وبغضائها، ورعاية الله للضعفاء، والأخذ بأيديهم من المهانة إلى المعزّة، وقد قال تعالى فيها، إن فيها آيات للسائلين.
وفى وقت هذا الحرص الشديد على منع يوسف من القصص على إخوته حتى لَا يثير حسدهم، بشره بأن الله اجتباه لمكانة عظيمة، فقال مبشرًا:
(وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)
الاجتباء افتعال من " جبى "، وهو الجمع للنفس، فمعنى اجتباك أي جباك لنفسه، واختارك سبحانه وتعالى، أي لتكون خالصا لله تعالى، (وَكَذَلِكَ) الإشارة إلى ما تضمنته الرؤيا، أي كهذه الرؤيا التي سجدت لك فيها الكواكب والشمس والقمر، يختارك الله تعالى لتكون نبيه (وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)، أي معرفة مآل الأحاديث في الرؤيا، وفي الرؤية، فيعرف صادقها وكاذبها، ويتبم نعمته عليك بالنبوة والملك والسلطان العادل (كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْل إبْرَاهِيمَ) إذ جعله خليله، وصفيه وحبيبه، (وَإِسْحَاقَ) أي وكما أتمها على إسحاق بالنبوة وحباه من ذريته النبيين، وآل يعقوب هم إخوته وأسرته، وعلى رأسها أبواه.