السادسة: أن الصِّبا أقرب إلى حب الانتقام من كِبَرٍ في السن، فشدة الصبا، معها شدة الجهالة وحب الانتقام، من غير نظر إلى العواقب، وأنت ترى صبيان يعقوب، وهم يحسدون يوسف قد بدَّله الله تعالى منهم رجالا يتحملون التبعات بعد أن أوشكوا أن يكونوا كهؤلاء أو كانوها.
السابعة: أنه لَا يطفئ الحسد إلا المحبة القوية المانعة، ألم تر أن المحبة التي كانت تنبعث من قلب الأب الرفيق الشفيق كانت تنهنه من حدة الحسد فيهم؛ وقد بدا ذلك منهم عندما طلب يوسف أخاهم من أبيهم، فقالوا: (... إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ...)، فهل كانت هذه حالهم عندما أخذوا يوسف، وألقوه في غيابة الجب بعد أن أرادوا قتله.
وإن هذا يدل على أن حسد الإخوة مهما يكن مآله إلى زوال، وعوامل زواله أقوى من عوامل بقائه.
الثامنة: أن الدعوة إلى الخير لَا يصح أن يكف عنها المؤمن مهما يكن في حال من البؤس والألم، ألم تر يوسف الصديق وهو في السجن، لم تشغله حاله عن الدعوة إلى التوحيد.
التاسعة: أن السورة تصور النفس الإنسانية في انحرافها، واستقامتها، ألم ترها تصور امرأة العزيز وقد انحرفت عن الجادة نحو فتاها، وأنه شغفها حبا، وإن ذلك يدل على فساد القصور في هذا العهد، وألا ترى أن في هذا دعوة لأن يحتاط أرباب البيوت فلا يجعلون في خدمهم جميلا؛ فإنهم يفسدون به نساءهم، ويفسدونهم، ويطمعونهم فيهم.
وإن هذه الحال من شغف امرأة العزيز بيوسف، وردها، ومقاومة دواعي الهوى في شاب قوي فتي، يدل على أن الإرادة القوية الحازمة تكبح جماح الشهوة.