التسوية واجبة بينهم، وزعمهم أنه لم يسوِّ بينهم، كما صوره لهم وهمهم، وأكدوا أن يوسف وأخوه أحب إلى أبيهم، فعبروا بقولهم (وَأَخُوهُ)، كأنه ليس أخاهم، ولكن الشر استحكم في نفوسهم.
(وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) أي قوة شافعة له في زرعه وضرعه، وكل حاجاته، لينتهوا بأن قالوا كما زين لهم الشيطان بسبب الحسد: (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلال مُّبِينٍ) أي أنه بعيد عن الصواب بعدا بينا، وأكدوا ذلك الذي توهموه بـ (إِنَّ) المؤكدة، و (اللام) في قوله: (لَفِي ضَلالٍ)، والتعبير (لَفِي) فيه إشارة إلى أن الضلال محيط به إحاطة الظروف بظرفه، سيطر الشيطان على نفوسهم، فحرك الحسد إلى أقصى غاياته، فابتدءوا تدبيرهم فقالوا:
(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (٩)
هذا تصوير للجريمة كيف يبتدئ دخولها في نفس من تسول له نفسه الإجرام، لقد زينوا لأنفسهم أولا أنهم الأجدر بالمحبة، وأنهم الأنفع، ثم اندفعوا إلى تدبير الجريمة وتنفيذ القتل، أو أن يطرحوه أرضا بعيدة عن العمران، فاتفقوا على أحد الأمرين إما القتل، وإما النفي، وتركه في أرض اللَّه.
ولكن واحدا منهم أبعد فكرة القتل، وقال: لَا تقتلوه.
ومعنى: (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) يكون خالصا خاليا من الحب الذي كان ليوسف، (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) أي تستقيم حياتكم مع أبيكم، ويصلحٍ أمركم مع أبيكم بعذر تعتذرونه، أو تتوبوا عن إثم القتل، (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوما صَالِحِينَ)، وهكذا تزين الجريمة، وتقرب التوبة.
(قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (١٠)