يأكله الذئب، وهو بينهم، و (اللام) في قولهم: (لَئِنْ) هي الموطئة للقسم الدالة عليه، وأكدوا استبعاد أن يأكله الذئب، بالجملة الحالية (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) أي قوة مانعة حامية، وجواب القسم (إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرونَ) إن كان ذلك نكون في خسار مؤكد، وضعف، ولا يمكن أن يكون ذلك.
قبل الأب الكريم ما بدا من ظاهر قولهم، ولكنه لم يحس بالاطمئنان الكامل؛ لأنه كلام ليس خارجا من قلوبهم، بل هم كاذبون في حقيقة أمرهم، واللَّه ولي الباطن، وللناس - ولو أنبياء - ما ظهر.
أخذوه بعد أن أحكموا الخطة، ونجحت الخطوة الأولى منها.
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥)
(الفاء) لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي ترتيب على أخذه بعد إقناع الأب أن يأخذوه، فلما أخذوه، نفذوا فيه ما دبروا (وَأَجْمَعُوا) معناه اعتزموا وأصروا على أن يجعلوه في أعماق البئر، كما قرروا من قبل ودبروا، ويروى أنهم آذوه بالضرب والتنكيل، وهو يستغيث، ولا يغاث حتى كادوا يقتلونه، ونبههم إلى ذلك من نهاهم عن القتل في ابتداء التدبير، وفي هذه الشديدة، والألم المرير، ألقى اللَّه تعالى في قلبه الاطمئنان إلى المستقبل، وألهمه الإلهام الصادق بوحي اللَّه تعالى أن المستقبل سيكون له، وأنه سينبئهم بأمرهم هذا، وفي وقت يكونون محتاجين إليه، وهو غير محتاج إليهم كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى في آخر السورة، وهم لَا يشعرون بهذا الإلهام الذي كان وحيا إلهاميا.
بعد أن أتموا ما دبروا من إثم قاتل، وإن لم يأخذ صورة الذبح عادوا إلى أبيهم باكين حقا، أو متباكين لستر ما دبروا، ونحسب أنه بكاء، لأن الاندفاع إلى الشر لَا يمنع الإحساس بالألم عند وقوعه، ودم الإخوة لَا ينقطع، بل له عواقب أليمة بعد الفعل القاطع.