لكن كانت المفاجأة
(وَأَلْفَيَا سَيدَهَا لَدَا الْبَاب... (٢٥)
وببديهة المرأة حولت التهمة إليه، وأرادت به السوء (قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) بدلت الحقيقة، فاتهمت البريء لتبرئ نفسها، وقررت العقوبة، وهي السجن أو عذاب أليم.
ولقد نطق البريء وما كان لينطق لولا هذا الاتهام (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي... (٢٦)
هي تتهمه وهو يتهمها، ويظهر أن ذلك الأمر شاع في داخل الأسرة، وأريد الفصل فيه بإعلان من تكون عليه التهمة لاصقة، ومن يكون له البراءة فكان لابد من حكم منصف، فحكم بعض أهلها، وإن لم يكن محايدا، وقد حكم بالعدل، فقرر أنه (إِن كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ) أي من أمامه (فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِن الْكَاذِبِينَ)، لأنها هي التي جذبته لكيلا يفر من الاتهام، ويكون هو الذي راودها، وحاول، ثم لما رفضت أراد الفرار، فجذبته لكيلا يهرب.
وإذا كان قميصه قطع من دُبُر أي الوراء فمؤدى ذلك أنه أراد الفرار مما دعته إليه، وأرادت استبقاءه لغايتها، وقد ثبت أن قميصه قدَّ من دُبُر أي من الوراء، وهذا قوله تعالى:
(... وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨).
ثبتت براءة يوسف، واتهامها، ويظهر أن العزيز كان قد أوتي حلما، فلم يسارع إلى عقاب لها، بل اكتفى بأن حكم عليها، واتهمها بالكيد وتدبير الشر، وإن هذا من النساء غير مستغرب. ولماذا تساهل هذا التساهل؟ لعله عذرها لجمال يوسف، ولإيمانه بعفته، وقد يكون لبرود طبعه، أو لقوة سلطانها عليه.
(وَشَهِدَ) هنا معناها حكم، كما يبدو من السياق.