من صاحبي يوسف في السجن، (وَادَّكَرَ) أي تذكر، وأصلها اتذكر قلبت التاء دالا، والذال دالا، وأدغمت الدال في الدال.
والمعنى تذكر تذكرا شديدا لائما لنسيانه ما كلفه يوسف من أن يذكره عند ربه، (بَعْدَ أمَّةٍ) أي حين من الزمان، إذ لبث يوسف بسبب هذا النسيان بضع سنين، والبضع بين الثلاث والعشر، وقيل: خمس سنين، كان فيها هاديا مرشدا للمساجين، قال ذلك الذي نجا: (أَنَا أُنَبِّئُكُم بتَأْوِيله) بمعرفة مآله، ويظهر أنه أخبرهم بأن يوسف هو الذي سيعلمه، ولذا قال. (فَأَرْسِلُونِ)، أي أرسلوني إلى السجن ليعلمني يوسف.
ذهب إلى السجنِ، وقال:
(يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦)
(أَفتِنَا)، أي بين لنا ما تدل عليه هذه الرؤيا، رجاء أن أرجع إلى الناس، ورجاء أن يعلموه.
قال يوسف في تأويل الرؤيا:
(تَزرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا)، أي دائبين مستمرين على عادتكم، ويجيئكم الخير سنة بعد سنة لَا يتخلف، بل كل السنين سنين خير مستمر.
وذكر لهم نصيحة، وهي مقتضى الحلم فقال: (فَمَا حَصَدتُّم)، أي ما قطعتم من عيدان الحبوب، (فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) وبقاؤه في سنبله يحميه من السوس، ويبقى لما يجيء بعد ذلك من سنين يابسة لَا خير فيها لا تؤتي أُكلا، وقال بعص المفسرين: إن هذه نصيحة، وهي غير الرؤيا، ونحن نرى أنها نصيحة حقا وهي صادقة، والرؤيا تشير إليها، إذ إن العجاف لَا تأكل السمان إلا إذا ادخرت ثمرات السمان لتأكلها العجاف، والعجاف جمع عجفاء.