سأل عن النسوة، ولم يسأل عن امرأة العزيز، وهي التي كانت الأصل فيما نزل به، وقد أدخل السجن لستر الأمر ومنع الناس من أن يتحدثوا به، ويجعلوه ملهاة مجالسهم وسمرهم، وذلك أولا لأن تحقيق مآل النسوة يَجُر إلى الكلام في امرأة العزيز؛ لأنه مترتب على ما كان من امرأة العزيز، وثانيا، لأنه لم يرد أن يفاجئ الملك بأمر يمس شخصه، فلم يذكره، لأنه نتيجة للبحث في أمر النسوة، ولا يقوم هو بالاتهام إكراما للملك، فقد أحسن مثواه، ولكي لَا يشنع عليها، ولكيلا يحرجه أمام الناس في اتهام امرأته.
استجاب الملك لسؤال يوسف الصديق فقال لهن:
(مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ... (٥١)
سألهن الملك ما الخطب الشديد الذي ظهر منكن، إذ راودتن يوسف عن نفسه، فأجبن بالنفي عن أن يوسف بوصف فيه سوء، لأنهن ما علمن عليه من سوء فاكتفين بالرد ببراءته، ولم يتعرضن لأمرهن ومعنى (حَاش لِلَّهِ) تنزيها له لأجل اللَّه تعالى، مع التعجب من عفته وبراءته.
هذا ما كان منهن، وموقفهن في هذا المقام سلبي، أما امرأة العزيز فقد تحرك ضميرها، ونفسها اللوامة، فقالت مخبرة بالإيجاب بالنسبة لها وله (قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١)
ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢). اشتمل كلام امرأة العزيز على ثلاثة أمور كلها إيجابي، وليس سلبيا.
الأمر الأول: قوله: (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) أي الآن ثبت الحق واستقرت الأمور، وعرفت على حقيقتها، وحصحص: معناها استقر الحق، مأخوذ من حصحص البعير إذا أناخ في مباركه واستقر.
الأمر الثاني: إقرارها بأنها راودته عن نفسه.
الأمر الثالث: أن يوسف كان هو الصادق عندما قال: (... هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي...) وكان قولها موافقا تمام الموافقة لما انتهى إليه الحكم الذي كان من أهلها، وقال إن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين.