أولا، ثم باعوا حليهم وجواهرهم ثانيا، ثم باعوا أنفسهم ثالثا، ولكن نبي اللَّه أعتقهم بتفويض من الملك.
وقد وصل القحط حيث تقيم أسرة نبي اللَّه تعالى يعقوب فأرسل وُلْدَه يمتارون من مصر التي كانت وحدها بفضل تعليم اللَّه تعالى لابنه هي التي يمكن أن تكون فيها الميرة.
كان يوسف هو الذي يتولاها، فأعطاهم ما طلبوا، وطلب منهم طلبا وقد قال تعالى:
(وَلَمَّا جَهَّزَهم)، أي ملأ ما معهم من جهاز، وأوفر ركائبهم بما طلبوا، طلب أن يأتوا بأخ لهم من أبيهم، وهو شقيقه وهذا قوله تعالى:
(قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩)
أي خير الذين يكرمون الضيوف، وينزلونهم في أحسن المنازل.
ثم هددهم بأنهم إذا لم يحضروه، وكان في شوق إليه، وفي جمع الشمل، وهذا من دوافعه
(فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (٦٠)
قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (٦١)، أي سنلطف بأحسن القول مع أبيه، أكدوا أنهم فاعلون ذلك وأكدوا ذلك بـ (إنَّ)، وبالجملة الاسمية.
ولكن يوسف ما نوى أن يمنعهم من الكيل، ولكن أظهر لهم ذلك، ولذلك قال لعبيده:
(اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ... (٦٢)
أي في ركابهم، فقال تعالى في ذلك: (اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) انقلبوا معناها هنا وصلوا، والرحال جمع رحل، وهي ركائبهم، رجاء أن يعرفوها ورجاء أن يرجعوا إلينا بما وعدوا به.
ونرى هنا أن يوسف الذي كان رفيقا بأهل مصر، كان رفيقا أيضا بإخوته وأبيه، فلم يؤخر عنهم الميرة، بل عجلها لهم، وإن أوهمهم أنه يؤجلها حتى يعودوا إليه مع أخيه.


الصفحة التالية
Icon