وكان حقا أن يؤمن الناس جميعا به، ويذعنوا لحقائقه.. (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ)، فالاستدراك لما كان تقتضيه حقيقة الكمال في القرآن، فكانت تقتضي الإيمان (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنونَ)، أي لَا يذعنون للحق وليس أن شأنه أن يذعنوا، بل إنهم يمارون، ويجادلون، فتضيع الحقائق في وسط لجاجة الجدل (... وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا).
وإن أول الحق الذي جاء به القرآن، وأوحى به الديّان عبادة اللَّه تعالى وحده، وألا يشركوا به شيئا، ولذا بيّن اللَّه استحقاقه للعبادة وحده بالكون، وما خلقه وبديع صنعه في السماوات والأرض، وما خلق من كل شيء، فقال تعالى:
(اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢)
صدر الآية الكريمة بلفظ الجلالة الذي يتضمن الخالق المدبر المتصف بكل كمال، والمستحق وحده للعبادة، ولا يعبد معه شيء: حجر، أو حي، أو نجم، أو غير ذلك مما توهم فيه بنو الإنسان في العصور المختلفة قوة يعبد لأجلها.
وبين سبحانه فضله في خلق الكون فابتدأ بذكر الكون الأعلى مجملا عرّفه بخلق اللَّه فقال: (الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا)، هنا اتجاهان: نفي العمد، ووجود العمد ونفي رؤيتها:
الاتجاه الأول: أن النفي متجه إلى وجود العمد، وقوله تعالى: (تَرَوْنَهَا) دليل على نفي وجود العدم، أي دليل على عدم وجودها عدم رؤيتكم لها، فاللَّه سبحانه وتعالى أنشأ السماوات كالقبة المحيطة بالأرض من كل أطرافها، من غير عمد قائمة، ويرشح لهذا المعنى قوله تعالى: (... وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ...).


الصفحة التالية
Icon