(وَجَنَّاتٌ منْ أَعْنَابٍ) انتقل البيان من الأرْض إلى ما تثمره، وما تأتي به من خير، وابتدأ بجنات الأعناب؛ لأنها كانت أحب الثمار إليهم، يتخذون منها سكَرا ورزقا حسنا، ولأنها سهلة لينة، ولأنها أطيب ما تخرجه الأرض العربية.
(وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ) هذا إحصاء من غير استقراء لبعض ما ينتج في الأرض العربية وغيرها من الأرضين، وهي متنوعة، فزروع مختلفة من حبوب وبقول، ومختلفة الأنواع، وتخرج مختلفة في طعومها، ونوعها، وإشباعها للحاجات المختلفة ففيها اللين، وفيها الصلب، وذكر الجنات من الأعناب رمز لغيرها من أنواع الثمار كالرمان والخوخ وغيرها.
(صِنْوَانٌ وَغَيْر صِنْوَانٍ) النخلات، أو النخلتان اللتان تخرجان من أصل واحد، أي النخيل سواء أكان مجتمعا من أصل واحد، أم كان متفرقا، وفي هذا إشارة إلى أنه لو كانت مخلوقة بالطبع أو بالعلة ما اختلفت صنوانًا وغير صنوان.
ثم بين سبحانه اتحاد سبب الإنتاج فقال: (يُسْقَى بِمَاءِ وَاحِد)، أي أن التربة واحدة، والبذر واحد، والسقي واحد، ومع ذلك يفضل بعَضها على بعض في الأكل ما بين حلو ومر، ورديء وجيد، وغير ذلك مما هو مختلف؛ ولذا قال تعالى: (وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) والأُكُل هو الثمر.
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (ذلك) إشارة إلى الاختلاف مع أن قطع الأرض متجاورة، وأن الجنات من الأعناب والزرع والنخيل - الممتدة الجذور وتسقى بماء واحد - وهو صنوان وغير صنوان، في كل ذلك آيات مبينة لقدرة الخالق، لقوم يعملون عقولهم ويدركون أن هذا يدل على خالق مختار فعال لما يريد.
* * *


الصفحة التالية
Icon