وقد ورد في معنى هذا النص السامي آيات كثيرة منها قوله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (٥٠)، ومنها قوله تعالى: (... إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفورٌ رحِيمٌ)، وقوله تعالى: (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلأ يُرَدُّ بَأسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)، وهكذا النصوص القرآنية الدالة على أنه لَا يصح أن يطمع العاصي في عفو مطلق، ولا أن ييئس من رحمة اللَّه تعالى، ولقد قال رسول اللَّه - ﷺ - في هذا المعنى: " لولا عفو اللَّه وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل واحد " (١) واللَّه أعلم.
وإنهم مع قيام الدلائل على الوحدانية، وقيام المعجزة الكبرى، وهي القرآن يطلبون آيات أخرى وينكرون إعجاز القرآن مع قيام التحدي الشامخ. وعجزهم عن أن يأتوا بمثله؛ ولذا قال اللَّه تعالى لهم:
________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (٧)
أظهر لنا، ولم يضمر، كما قال من قبل: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) فعبر بالموصول بدل الضمير؛ وذلك لبيان أن الكفر ابتداء هو الذي دفعهم إلى طلب آية أخرى، فصلة الموصول، وهي الكفر، علة الطلب، فليست علة الطلب الحق ليهتدوا، فقد طمس على قلوبهم، وإنما اتخذوا ذلك تعلة لكفرهم، وتماديهم في غيهم، وإلا ففي التحدي والعجز دليل على الإعجاز.
و (لَوْلَا) في قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ) معناها هلا أُنزل عليه آية من ربه، وإن ذلك يتضمن أنهم لَا يؤمنون لعدم وجود آية، ويتضمن بالتالي إنكار أن يكون القرآن آية مع التحدي المتوالي.
وقوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كفَرُوا) في التعبير بالمضارع ما يفيد بتكرار هذا الطلب عنادا وسترا لكفرهم، ولعجزهم عن التحدي فقد طلبوا أن ينزل عليهم


الصفحة التالية
Icon