كتاب في قرطاس وأن يلمسوه بأيديهم، وأنكروا ان يبعث اللَّه بشرا رسولا، ورد اللَّه تعالى قولهم بقوله: (قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (٩٥)، وطلبوا آت أخرى يسترون بها كفرهم:
(وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (٩٣) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤).
وهكذا يكفرون بالمعجزة الكبرى وينتحلون لأنفسهم ما يحسبونه عذرا بإنكارهم القرآن، وقوله تعالى (لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ من رَّبِّهِ) فيه تنكير (آيَةٌ) للمبالغة في الإنكار، كأنهم يطلبون أي آية، ولا يعدون القرآن الكريم آية، وهو أعظم الآيات وأبقاها.
رد اللَّه سبحانه وتعالى قولهم بقوله: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (إِنَّمَا) أداة من أدوات القصر، أي لست إلا منذرا ينذر بسوء العقبى، ومآل الإنكار، وقد أنذرت، وأقمت الحجة على أنك متكلم من عند اللَّه تعالى، وقوله تعالى:
(وَلِكُلِّ قَوْمِ هَادً) متضمن معنيين، وتشملهما؛ الأول: أن كل قوم لهم نبي يهديهم ويرشدهم، فإن اهتدوا كانت لهم الحسنى، وإلا كان لهم السوءى، وهذا كقوله تعالى: (... وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)، والثاني: أن كل قوم لهم معجزة تهديهم إلى الرسول تناسبهم، فكانت معجزة عيسى ما كان لأنه بعث في عصر لَا يؤمنون فيه بالسببية، ويعتقدون أنها لَا تتخلف، فجاءت معجزاته هدما لقانون السببية، وخرقا لنظامه، ومحمد - ﷺ - جاء للخليقة كلها من بعده إلى يوم القيامة، فكانت معجزته من النوع الذي يبقى ولا يزول ولا يحول، وهو كلام اللَّه الذي يبقى ويتحدى بإعجازه الخليقة إلى يوم الدين (قُل لَّئِنِ