بيّن سبحانه قدرة اللَّه تعالى في خلق السماوات بغير عمد ترونها، وسخر الشمس والقمر وغير ذلك من الكائنات التي هي سمات هذا الوجود، والآن يبين خلق الإنسان، وكيف كان في علمه الذي لَا يعلم به أحد غيره سبحانه. فقال تعالى:
(اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (٨)
(اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى) (ما) هنا قد تكون موصولة بمعنى الذي، ويكون السياق: اللَّه جل جلاله يعلم الذي تحمله كل أنثى، والذي تغيض به الأرحام والذي تزداد، وكل شيء عنده بمقدار قدّره، وحدّه وعيّنه.
يعلم ما تحمل كل أنثى من ذكورة وأنوثة، ومن حجمه، وشكله، وامتداده، وعمره، وما قدر له من حياة سعيدة أم شقية، وإيمان، وصباحة ودمامة، واستقامة وفجور، وما يكون في قابله هاديا مهديا، أو مقيتا شقيا، وغير ذلك مما يكون في حياته البدنية والنفسية، وكل ما يتعلق به.
يعلم أدوار الحمل من مضغة مخلقة وغير مخلقة، ومن وقت وضعه نطفة في قرار مكين، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)، وبقوله سبحانه: (... هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم منَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ...)، ويقول تعالى: (... يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ...)، يعلم اللَّه تعالى ما تحمل كل أنثى من هذه الأطوار كلها طورا بعد طور، وما يعلمه اللَّه هو علم الخالق لما خلق، ومهما يكن متعلقاب (ما) في الأرحام فالعلم عند اللَّه علام الغيوب، وقد روى في الصحيحين عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال


الصفحة التالية
Icon