بيّن اللَّه سبحانه في الآيات السابقة ما يسير الإنسان، وعلم اللَّه المحيط الذي يشتمل ما يظهر وما يختفي، والمعقبات التي تحفظ وتحصى ولا تُرى.
ثم بين سبحانه وتعالى ما يرى وما يسمع، وما يحرق، واللَّه مسيّره، وموجهه، بحيث ترى آثاره، ولا يكون من الإنسان تفاعله، بل يتولى أمره رب العالمين، فقال تعالى:
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا) الضمير يعود على اللَّه تعالى الذي يكون الحفظ من أمره، ومن كل ما يقدره، فهو الذي يرينا البرق حالة كوننا خائفين من منظره، ومن عاقبته، طامعين في أن يعقبه مطر يكون غيثا، وخائفين من أن يكون غيثا مدمرا مفسدا. والبرق ينشأ عند اصطدام سحابتين بعضهما ببعض فيحدث من الاصطدام النور البارق. ويقول علم خواص الأجسام: إن إحدى السحابتين تكون ذات كهرباء موجبة، والأخرى ذات كهرباء سالبة، فيحدث من احتكاكهما برق، ويكون معه الرعد، بيد أن الرعد لَا يصل إلى الأسماع إلا بعد فترة من رؤية البرق؛ لأن الرعد صوت الاصطدام والبرق صوته، ولكي يصل الصوت إلينا يمر بأجواء الفضاء فلا يصل إلى مسامعنا إلا بعد فترة يقطع فيها مروره، والصواعق إذا كانت أحيانا من هذا الاصطدام تكون مع البرق في فترة واحدة تقريبا. وهذه الآية تبين رؤية البرق، والتي تليها تبين سماع هزيم الرعد، والثالثة تبين إصابة اللَّه تعالى بالصواعق لمن يشاء.
ولقد ذكر سبحانه في الآية الأولى أنه يُرى الناس البرق خائفين طامعين، وذكر بعد البرق السحاب الملوء ماء، فقال سبحانه: (وَينشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ) السحاب اسم جنس جمعي لسحابة، واسم الجنس الجمعي هو الذي يفرق بينه وبين مفرده بالتاء أو ياء النسب، مثل شجر وشجرة، ومثل عرب وعربي، فمفرده كما رأيت سحابة، والثقال جمع ثقيلة، وعبر سبحانه وتعالى بالنسبة للسحاب بأنه أنشأها، ولم يقل سيرها؛ لأن اللَّه تعالى يشير بذلك إلى رحمته بالناس، أي أن ماء البحر الملح يتبخر ثم يتكاثف ماءً عذبا، يثيره سبحانه وتعالى سحابا مملوء بلاء، فبين أنها ثِقالا لَا تحمله من هذا الماء العذب الفرات، ويرسلها لمن يشاء من


الصفحة التالية
Icon