عباده، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (٤٣).
بعد أن ذكر سبحانه وتعالى مزية البرق المثير للخوف والطمع معا ذكر ملازمها وهو الرعد فقال:
(وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ).
للمفسرين اتجاهان في هذا:
الاتجاه الأول: أنه يفسر الرعد بمن يسمعه، فالتسبيح ليس تسبيح الرعد ولكن تسبيح من يسمعه؛ لأنه يكون خائفا فزعا، كما يكون الفزع من كل صوت مزعج، فيجعله الخوف والفزع في حال إدراك لقوة منشئه كما تكون النفس عند رؤية أي أمر مزعج.
والاتجاه الثاني: أن الرعد ذاته يكون في حال تسبيح اللَّه تعالى وحده؛ لأن هذا الصوت المزعج الرهيب المفزع يكون خاضعا للَّه تعالى، دالا على توحيده، وعلى كمال سلطانه، فكل شيء يسبح بحمده ولكن لَا تفقهون تسبيحهم.
وإني أميل إلى الاتجاه الثاني؛ لأنه يتفق مع النسق القرآني، إذ إن النسق القرآني يبين خضوع الكون ومظاهره للَّه تعالى مسبحًا بحمده، وهي تدل على الباعث على هذا التسبيح، وهو حمده على نعمة إيجاده، وكمال خضوعه.
وقوله تعالى: (وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) أي من خوفه ووانه، و (خيفة) بكسر الفاء، وهي هيئة الخوف، أي هيئة الخوف الرهيب من اللَّه تعالى، فلا يدرك عظمة اللَّه القوي الجبار إلا من يكون قريبا منه سبحانه وتعالى. ومع تسبيح الرعد بهزيمه، والملائكة الأبرار بخيفتهم من اللَّه، ينزل اللَّه تعالى الصواعق وهي من احتراق البرق، فالبرق يحدث معه الرعد، وأحيانا يكون السحابتين السالبة والموجبة محدثة شرارًا ينزل على الأرض فيحرق ما يصيبه ومن تصيبه؛ ولذا قال تعالى:


الصفحة التالية
Icon