ويشير إلى أنه لو نزل بكل اللغات، وكان معجزا فيها جميعا لكان الإيمان بالإلجاء لَا بالاختيار وله في ذلك نظرة.
وإنه يجب أن نلاحظ أمرين:
أولهما: ما قاله الشافعي - رضي الله عنه - أنه يجب أن يعرف كل مسلم قدرا من اللغة العربية يصحح به دينه.
وثانيهما: أن جعل القرآن باللغة العربية، ومحاولة الأعاجم أن يحفظوه يقرب بين اللغات، وحيث قربت اللغات قربت العلاقات الإنسانية.
وكان ذلك قائمًا يوم كانت الوحدة العربية قائمة، وكانت اللغة العربية جامعة لهم وفيها دونت ثقافاتهم وكانت وعاء للعلم الإسلامي، فلما انبعثت اللغات الإقليمية من مراقدها ذهبت الوحدة وتفرقت الكلمة.
ونعود إلى الكلام في معنى الآية الكريمة (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ)، أي أنه يترتب على البيان أن يسير الناس في طريق الضلالة، إذ يكذبون، ولا يصدقون، ويهدي اللَّه تعالى من يسير في طريق الهداية، فيأخذ بيده إلى غايتها.
وهنا يسأل سائل لماذا قُدِّمت الضلالة على الهداية؟ ونقول في الجواب عن ذلك إن الآيات سبقت لبيان إنذار الضالين، فهم موضع الإنذار؛ ولأن الشيطان قريب من نفوس البشر؛ ولأن الأهواء تجعل حكم الضلال هو الأغلب.
وقد ختم اللَّه تعالى الآية بقوله تعالى: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لبيان أن الكفار مهما يكن سلطانهم وقوتهم وحسبانهم أنهم لن يغلبوا، ويذهب بهم غرورهم إلى زعم أنهم العالون، فالله تعالى هو واهب العزة، وهو العزيز الذي يذلهم، ويجعل لأهل الإيمان الكلمة العليا، وهو الحكيم الذي يدبر الأمور بحكمته، وبعلمه الذي وسع كل شيء، فهو يمهل الكافرين ويملي لهم، كما قال عز من قائل: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي متِينٌ)، يملي لهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
* * *