فى الآية السابقة ذكر سبحانه وتعالى أنه لَا يرسل رسولا إلا بلغة قومه ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ويبين لهم فيضل من يضل، ويهتدي من يهتدي، وفي هذه الآية وما يليها من آيات يبين اللَّه أخبار نبي من أولي العزم بعث في قومه، وغيرهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ويذكرهم بأيام اللَّه تعالى من وقائع من نزلت بمن سبقهم من الأمم، وما نزل بهم هم من نعم، وهو موسى عليه السلام، وقد أخرج اللَّه على يدي موسى بني إسرائل قومه من فرعون وظهرت آياته فيهم، ومع ذلك ضلوا من بعده، وفي حياته.
قال تعالى:
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) أكد اللَّه تعالى إرسال موسى إلى قومه بـ (اللام) وبـ (قد)، وقومه أهم بنو إسرائيل وحدهم أم قوم موسى كل من أرسل إليهم؛ ظاهر القول بادئ الأمر أنهم بنو إسرائيل؛ لأنهم قومه وجنسه أو قبيله، ولكن موسى لم يرسل لبني إسرائيل وحدهم، إنما أرسل إلى سكان مصر وفيهم فرعون، وقد قال تعالى في رسالة موسى وأخيه هارون: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (٤٥) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (٤٦).
وهذه تدل على أنه بعث لمصر كلها، لَا لبني إسرائيل وحدهم، وإن كانت فضائل الرسالة عادت على بني إسرائيل بالنعمة والإنقاذ ابتداء، والهداية للجميع كانت المقصد في نهاية الرسالة وغايتها وقال تعالى: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ).
وردت أخبار من السلف بأن أيام اللَّه، الوقائع التي انتصر اللَّه فيها لكلمة الحق والإيمان، كما نزل بقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وآل مدين؛ وذلك لأن كلمة (أيام) تطلق في التاريخ العربي على الحروب التي كانت لها دوي في العرب كحرب " ذي قار " الذي انتصر فيها العرب على فارس، وكحرب " الفِجَار "، وكحرب " عبس وذبيان "، وكحرب " البسوس "، إلى غير ذلك من الأيام الشداد.