وقوله تعالى: (وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ)، أي يطلبون حياة نسائهم وبقاءهن، لا رغبة في ذات الإحياء بل ليكن إماءً في بيوتهم، ويستمتعون بجمالهن، فهو ظلم فاحش لَا يعرفه إلا فرعون وأمثاله، كما رأينا واحدا منهم في هذا الزمان.
قال تعالى (وَفِي ذَلِكُم بَلَاءٌ من رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ)، الإشارة إلى الإنجاء، ويصح أن تكون الإشارة إلى سوم العذاب، وعلى الأول يكون البلاء هو بلاء بنعمة الإنجاء، كما أشرنا إلى قوله تعالى: (... وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً...)، فالنعمة تحتاج إلى صبر واختبار، وإذا كانت الإشارة إلى سوم العذاب وتذبيح الأطفال واستحياء النساء يكون اختبارا من اللَّه عظيما، ونسب البلاء إلى الله تعالى، وهو الرب الخالق، للإشارة إلى أن تمكين فرعون من ذلك كان اختبارا من اللَّه تعالى حتى يمتحنوا بالنقمة، وتصقل نفوسهم بها.
وإني أرى أن الأول أوضح، واللَّه تعالى أعلم.
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧)
(تَأَذَّنَ) بمعنى آذن وأعلم، ولفظ (تَأَذَّنَ) يدل على المبالغة في الإعلام، وتكرره آنًا بعد آنٍ، وشكر النعمة أداؤها فيما خلقت له، فشكر نعمة الأذن ألا يسمع إلى منكر، وشكر نعمة اللسان ألا ينطق إلا بالحق، وشكر نعمة العقل ألا يذعن إلا للحق ولا يفكر إلا في الوصول إلى الحق والإيمان بالتوحيد، والإنسان مغمور في نعم من لسان ينطق وأذن تسمع، وعين تبصر وجوارح تكسب، وكل نعمة لها شكرها، فإن شكر زادها اللَّه تعالى.
وكفر النعمة ألا يتخذها في طاعة، فكفر ذي المال بإنفاقه في غير حله، والاستعلاء به وبطر العيش، وأن يطغى إذا استغنى، ولقد قال تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) هذا شرط مؤكد بالقسم، والجواب (لأَزِيدَنَّكُمْ) جواب القسم ودل على جواب الشرط، واللام موطئة للقسم، وكان الجواب مؤكدا بنون التوكيد الثقيلة، وكذلك في قوله: (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ