كذبوها، ولم يقبلوها فكأنهم ردوها في أفواههم ورجعوها إلى حيث جاءت منه على طريق المثل " (١).
هذه احتمالات مختلفة لم يعين واحدا منها للدلالة في الآية الكريمة، وإن كان وصف القول الثالث بأنه قوي، وإنا نرى أن وضع اليد في الفم يكون عندما يلقى إلى الشخص خبر مستغرب، فالتعبير الكريم كناية عن استغرابهم الخبر، وإن كان لنا أن نختار من احتمالات الزمخشري، فهو قوله عضوا أناملهم من الغيظ، ولكنا مع ذلك نرى أنه كناية عن استغرابهم.
عرض لهم استغراب قول رسلهم أولاً، ثم انتهى الاستغراب بالإنكار، والكفر (وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسلْتُم بِهِ) انتهى استغرابهم بالإنكار بكونهم رسلا، فالكفر بالرسالة أما موضوعها وهو ما يدعونهم إليه من توحيد وشرائع، فقد قالوا فيه: (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ ممَّا تَدْعُونَنَا إِليْهِ مُرِيبٍ) ومريب معناه موقع في الريب، من أرابه أو أوجد عنده قلقا، أي أنهم يرتابون في دعوى التوحيد، وأنها تجعلهم في قلق بالنسبة لآلهتهم التي ورثوا عبادتها عن آبائهم، فدعوة التوحيد تخرجهم من الاطمئنان إلى الباطل إلى الشك والريب، فدعهم في ريبهم يترددون.
إجابة رسلهم
قال تعالى:
* * *
(قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا
________
(١) الكشاف: ٢/ ٣٦٨.