لك عباراته الدالة على ذلك فهو يقول: " فإن قلت ما معنى التبعيض في قوله تعالى: (مِّن ذُنوبِكم) ما علمته جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين كقوله تعالى (... وَاتَقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغفِر لَكم مّن ذُنُوبِكمْ...)، (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ...)، وقال في خطاب المؤمنينِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢).
وغير ذلك مما يقف عليه الاستقراء.
وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين، ولئلا يسوى بين الفريقين في الميعاد، وقيل: أريد يغفر لكم ما بينهم وبين اللَّه بخلاف ما بينهم وبين العباد من الميعاد (١).
هذا ما وجب ذكره من كلام الزمخشري ليعلم القارئ الموضوع من وجوه النظر، وما كنا لنهمل رأي إمام البيان الزمخشري، وقد يسأل سائل لما ذكرت (مَن) في جانب المشركين إذا آمنوا، ونقول: لكثرة ذنوبهم فكان التعبير فيه إشارة إلى أن الغفران لكلها مع كثرته.
إجابة الرسل على اعتراض المشركين:
________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف: ج ٢/ ٣٦٩.
(قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١)
اعترض المشركون بأنهم بشر مثلهم، وبأنهم لم يأتوا بسلطان يثبت الرسالة، ولقد سلموا لهم الأمر الأول مؤكدين تسليمهم، قالوا: (إِن نَّحنُ إِلَّا بَشَرٌ مثْلُكُم) أكدوه بأن قصروا أنفسهم على البشرية لَا يعدونها، ولكن المشركين بنوا على المثلية بطلان دعواكم فلم يسلموا لهم ذلك، أي أنهم سلموا لهم بالمقدمة ولم يسلموا