و (الفاء) لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والمعنى إذا كنا معشر الرسل قد توكلنا على اللَّه وحده فليتوكل المؤمنون على اللَّه وحده، ويتضمن ذلك طلبين: أحدهما الصبر على أذى المشركين، والثاني: الاعتماد على اللَّه وحده، وأنه سبحانه وتعالى ناصر الرسل ومن اتبعوهم غير خاذلهم ولا ممكن لمشرك منهم.
وبعد ذلك بين سبحانه على لسان رسله المسوغ لتوكلهم عليه وحده فجاء على لسانهم قوله تعالى:
(وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢)
(وَمَا لَنَا) الاستفهام هنا لتقرير التوكل وتثبيته، أي ما ساغ لنا ألا نتوكل على اللَّه وقد هدانا سبلنا، أي سبيل الحياة الصالحة التي جعلتنا نؤمن بأن الحياة الدنيا طريق الآخرة، وأن الحياة الآخرة هي الحياة الحقيقية الباقية، أما الأولى: فهي الفانية، وقوله: (وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا) جملة حالية تفيد أولا أنهم آمنوا بهداية اللَّه فعرفوا سبيل الحق وسبيل الباطل.
وأما الثانية: أنهم عرفوا بطلان عبادة الأوثان. وأفاد ثالثا: أنه لَا قوة في الوجود إلا قوته، وأضيفت السبل إليهم (سُبُلَنَا) للإشارة إلى أن هذه السبل هي التي ينبغي أن تكون مطلبهم وأن تكون غايتهم التي يبتغونها.
وأنهم إذا عرفوا السبيل صراط اللَّه، واتخذوها سبيلا لهم فإنهم المعتمدون على اللَّه الصابرون؛ ولذا قال تعالى عنهم: (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذيْتُمُونَا) اللام لام القسم؛ ولذا كانت معها نون التوكيد الثقيلة التي تلازم القسم (عَلَى مَا آذَيْتمُونَا)، على ما تقدمونه من إيذاء متوال مستمر، فإن على أهل الحق أن يصبروا على أذي المبطلين.
ولقد أكد الرسل والمؤمنون اعتزامهم على الصبر حتى يبلغوا رسالات ربهم.
وإنهم أمام هؤلاء الأقوياء المتعنتين لابد من اعتماد على القوي القادر القهار؛ ولذا قال تعالى عنهم: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)، أي عليه وحده فليتوكل المتوكلون، كان الأمر الأول بالتوكل للمؤمنين فقط، أما هنا فهو يشمل المؤمنين