المثل: الصفة الغريبة، وغرابتها ليست في ذاتها فقط، إنما كانت غرابتها لأنها جاءت على خلاف ما يزعمون، إذ يزعمون أولا: أن أوثانهم ستكون شفيعة لهم، وكانوا يفعلون أمورا يحسبونها من مكارم الأخلاق كإكرام الضيفان وإغاثة اللهوف أحيانا، كما فعل بعض كبرائهم في حلف الفضول، ويحسبون ذلك عملا طيبا، ولو كان مقصده المفاخرة والمباهاة. ثانيا، ويرون أنهم الكبراء الذين لَا تنسى محامدهم ثالثا، لكنهم يرونها يوم القيامة كرماد اشدت به الريح في يوم عاصف.
(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ)
أي حال الذين كفروا بربهم، أي جحدوا بربهم الذي خلقهم وأنشأهم وقام على شئونهم وربَّهم وحفظهم، حالهم الغريبة أعمالهم كرماد اشتدت به الريح، وفي قراءة الرياح، وهذه الجملة على الخبر أو دالة عليه.
وقد شبه اللَّه سبحانه وتعالى أعمالهم بالرماد الذى تأتي عليه الريح عاصفة شديدة الهبوب فتثيره فتكون رمادا يتبدد، يغبر به الجو، ثم لا يبقى منه شيء، إلا الغبار الذي يصيب أعينهم ويفسد جوهم، والريح هو العاصف، ولكن وصف اليوم بأنه العاصف من باب إطلاق الزمن على اسم ما يحل فيه، كيوم ماطر، ويوم صائف، ويوم صائم.
وذلك لاستغراق عصف الرياح لليوم كله، حتى كأنه اليوم الذي اتصف بالعصف ليس غيره.
وقوله تعالى: (اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) مشتقة من الشدّ بمعنى العدو، كقولهم شد عليه بمعنى عدا عليه وغلبه، أو مشتقة من الشدة، وهو الأظهر، والباء للتعدي، أي اشدت فيه الريح وفي قراءة الرياح.
وقوله تعالى: (لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ)، قدم (مِمَّا كَسَبُوا)، على (عَلَى شَيْءٍ)، للاهتمام بما كسبوه فهم كانوا يحسبونه شيئًا من المكارم، والأعمال الصالحة فلا يجدونه شيئًا؛ وذلك لأنه فقد المؤثر النفسي وهو الإيمان، وقصد الخير