وفى هذه الآية يقولون: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ) سَوَاءٌ معناها يستوي علينا جزعنا أم صبرنا، فالجزع لَا يحول الشر عنا، والصبر لَا يمنع الأذى. وقد فسروا هذه التسوية بقولهم: (مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ)، أي منجاة من العذاب، أو مهرب منه أو مُتَحول من هذه الحال إلى غيرها، ومحيص: من حاص حيصا، وهو التحول، أي ما لنا من تحول، ومحيص هنا إما أن يخرج القول على أن محيص اسم مكان، ومكانهم جهنم، أي ما لنا تحول عن هذا المكان، أو مصدر ميمي، أي ما لنا تحول عما نحن فيه، فالأمر للَّه.
تلك هي المجاوبة التي بين التابع والمتبوع، والشيطان مصدر ضلالهم وإغوائهم وهو كالمتفرج عليهم ولكنه غير ناج:
(وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ... (٢٢)
أي أحكم وفصل فيه، ولم يكن لحكم اللَّه مرد ولا نقص، (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ)، أي وعد هو الحق، فالإضافة بيانية، أي الأمر الصحيح الثابت الصادر من مالكه، وهو الذي يجازي عليه بالثواب وعلى مخالفته بالعقاب، والفعل في ذاته نفع لَا ضرر فيه، وخير لَا شر فيه، وكان عليكم أن تطيعوه، ولا تخرجوا عليه.
(وَوَعَدتُّكُمْ فَأخْلَفْتُكُمْ) ولم يذكر وصف وعده؛ لأنه مفهوم من وصف الأول بأنه الحق ومقابله باطل، فماذا بعد الحق إلا الضلال، وترك لأنه مفهوم من السياق، ولكي تذهب مذاهب فيما يعد به الشيطان إنه لَا يعد إلا بما يكون من ورائه الفساد والبوار، والعبث والشر، فهو ليس باطلا فقط بل أكثر من باطل إمعانا في الشر، وقوله: (فَأَخْلَفْتُكُمْ)، أي منيتكم الأماني الباطلة، وأودعت نفوسكم الأوهام، وزينت لكم السوء لتحسبوه أنه حق، وإسناد الإخلاف إليه - لعنه اللَّه تعالى - مع أن الإخلاف من اللَّه تعالى، وبيان كذب ما وعد وألقى به في أمنية الناس، لبيان أنه وهو يعد يعلم أنه باطل وأنه إغواء، فكأنه هو الذي أخلف لأنه يعلم أنه كذب لَا حقيقة بل هو وهم ضلال،