عن سفساف الأمور، وتتجه به إلى معاليها، فهي ترفع صاحبها ولا تهوى، وهي هادية مرشدة ممتدة النفع تؤتي ثمراتها كل حين، والكلمة الطيبة تبقى ببقاء الأنفس المتبصرة المدركة، فالكلمة حياة تحيي النفوس والأفئدة.
وما الكلمة التي تتحقق فيها هذه المعاني؟ قيل: إنها كلمة التوحيد، وقيل:
إنها الإيمان، والحق، أنها الكلمة التي تكون صادقة في ذاتها ومنبعثة من النفس لإرضاء اللَّه تعالى، والذود عن محارمه وتتحقق فيها النية الطيبة، والقول الطيب، كما قال تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ)، وروى من حديث أنس أن النبي - ﷺ - قال: " إن مثل الإيمان كمثل شجرة ثابتة، الإيمان فروعها، والصلاة أصلها، والزكاة فروعها، والصيام أغصانها، والتأذي في الله نباتها، وحسن الخلق ورقها، والكف عن محارم اللَّه ثمرتها ".
ولقد قال تعالى: (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ)، أي الأمور المتشابهة بين بعضها البعض، فيبين المعنوي بالحسي حتى يصير كأنه محسوس مرئي، ويبين اللَّه سبحانه وتعالى ذلك البيان ليرجوهم أن يتذكروا ويعتبروا، فالرجاء ليس من اللَّه تعالى الذي يعلم كل شيء ولا يغيب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء.
هذا مثل الكلمة الطيبة وهي كلمة الحق الجامعة لكل معاني الخير والطيب، والكمال والجمال، أما الكلمة الخبيثة فقد قال تعالى في مثلها:
(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (٢٦)
الكلمة الخبيثة هي الكلمة التي تنبعث من خبث النفس، وضلال الفكر، وتكون في باعثها أئمة، وفي غايتها أئمة فهي على نقيض الكلمة الطيبة، لأنها لَا تنبعث من إخلاص للَّه ولرسوله، ولا تكون طيبة في واقعها، ولا في نتائجها، وما يترتب عليها، وأوضحها الكذب، وقد قال النبي - ﷺ -: " عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقا،