وقد قال الزمخشري: " إن تبديل النعمة كفرا، معناه تبديل شكر النعمة كفرا، وقد ذكر وجوها كثيرة فقال: (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ)، أي شكر اللَّه) كفرا؛ لأن شكرها الذي وجب عليهم وضعوا مكانه كفرا فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر، وبدلوه تبديلا، ونحوه (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)، أي شكر رزقكم؛ حيث وضعتم الكذب موضعه، ووجه آخر، وهو أنهم بدلوا نفس النعمة كفرا على أنهم لما كفروها سُلبوها، فبقوا مسلوبي النعمة، موصوفين بالكفر حاصلا لهم بدل النعمة، وهم أهل مكة أسكنهم اللَّه تعالى حرمه، وجعلهم كرام بنبيه فأكرمهم بمحمد - ﷺ -، فكفروا نعمة اللَّه بدل ما لزمهم من لشكر العظيم، أو أصابهم اللَّه بالنعمة في الرخاء والسعة لإيلافهم الرحلتين، فكفروا نعمته، فضربهم بالقحط سبع سنين، فحصل لهم الكفر بدل النعمة كذلك حين أُسروا وقُتلوا يوم بدر، وقد ذهبت عنهم النعمة، وبقي الكفر طوقا في أعناقهم، وعن عمر - رضي الله عنه - هم الأفجران من قريش، بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية، فمتعوا حتى حين ". هذه وجوه ذكرها إمام البيان الزمخشري، ونحن لَا نقيد عموم القرآن ببلد أو جماعة إلا أن يكون لفظ الكريم، يوحي بالتخصيص بدل التعميم، واللفظ هنا فيه بيان لأحوال النفوس الإنسانية عندما تحيد عن أمر ربها، وخلاصة الوجوه بعد إخلائها من التخصيص بقوم أو قبيل أنها تتجه إلى أن التبديل في الشكر، فيكون الكلام على حذف مضاف، بدلوا شكر النعمة كفرا، أو يكون التبديل في ذات النعمة فلم ينتفعوا بها الانتفاع الطيب وبدلوا كفرا.
وبذلك سرى الفساد إلى أقوامهم فأحلوهم دار الهلاك في الدنيا بالذل والهوان وفي الآخرة بجهنم، ولذا قال تعالى:
(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (٢٩)
جهنم عطف بيان لدار الهلاك، وأن هلاك أشد من النيران يصطلون بها، يحيط بهم حرها الشديد ويكونون وقودا لها، وإنها تكون أسوأ نهاية؛ ولذا ذمَّها اللَّه