وهم إذا ضلوا بها يعملون على إضلال غيرهم بالفتنة في الدين، وإيذاء المؤمنين وسب دعاة الحق، والسخرية منهم.
وقد يقول قائلهم: إنهم اتخذوها بغير الضلال، ونقول: إن النتيجة كان الضلال أو الإضلال، ولذلك قالوا: إن اللام لام العاقبة لتكون النتيجة ضلالهم بها؛ وإضلال غيرهم لتقديسها، وذلك أنهم صنعوا حجارة على أشكال آدمية، ثم توهموا فيها قوى خفية، ثم عبدوها ضلالا بها.
وقد أمر اللَّه تعالى نبيه الأمين بأن يقول: (تَمَتَّعُوا) إن الذي أغراهم بعبادة الأحجار واتخاذها أندادا للَّه هو ضلال عقولهم وانغماسهم في الأهواء والشهوات مما جعلهم لَا يفكرون في حقائق الأمور ويستمتعون بأهوائهم، فأمر اللَّه تعالى نبيه بأن يقول: (تَمَتَّعُوا)، أي استمروا في تمتعكم وأهوائكم ومفاسدكم الفكرية والتفسيرية، وليس هذا أمر للطلب بل للتهديد، أي استمروا فإن مصيركم إلى النار، فالعبرة بالنتيجة لَا بصيغة الأمر كما في قوله - ﷺ -: " إذا لم تستح فاصنع ما شئت ". (١)، ولنتيحة الاندحار في مفاسد الأخلاق والأهواء إلى أراذل الأعمال.
وقال الزمخشري: " إن الأمر هنا إيذان بأنهم لانغماسهم في التمتع بالحاضر، وأنهم لا يعرفون غيره، ولا يريدونه مأمورين قد أمرهم آمر مطاع لَا يسعهم أن يخالفوه، ولا يملكون أمرا دونه، وهو أمر الشهوة، والمعنى: إن دمتم على الامتثال لأمر الشهوة فإن مصيركم إلى النار " (٢).
أي أن الأمر ليس من اللَّه والنبي - ﷺ -، إنما الأمر من آمر هو الانسياق وراء الأهواء والشهوات، فكأنه أمر أُمروه، واتبعوه، وكان مآلهم إلى النار.
هذا شأن الذين بدلوا نعمة اللَّه كفرا واتخذوا الأنداد، أما شأن الذين أدركوا النعمة وشكروها ولم يكفروها فإنهم لَا يضلون في ذات أنفسهم، ولا يضلون غيرهم بل يكون منهم الخير والطهارة لأنفسهم ولجماعتهم؛ ولذا قال عز من قائل:
________
(١) سبق تخريجه.
(٢) الكشاف: ج ٢/ ٣٧٧.