ثم قال تعالى (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)، أي رجاء أن يشكرو هذه النعم، أي تكون حالهم حال شكر، لَا حال كفر فلا يعبدوا إلا اللَّه تعالى العزيز الحكيم.
والرجاء من العباد لَا من اللَّه، أي ليكونوا في حال رجاء الشكر دائمة بدوام هذه الخيرات التي يسوقها اللَّه سبحانه وتعالى إليهم وتجيء إليهم في واد (قفر) ليس فيه زرع ولا ثمر، وذلك بدعوة إبراهيم - ﷺ - فجعله حرما آمنا تجيء إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنه وفضله، بهذا الخير يتوافر أصناف الثمار ما لَا يوجد كله في أخصب الأرض وريف الأمصار، وفي بلد من بلاد الشرق والغرب، إجابة لدعوة إبراهيم - ﷺ -، ثم يقول: وليس ذلك من أيامه بعجيب متعنا اللَّه بسكنى حرمه، ووفقنا لشكر نعمه، وأدام لنا الشرف بالدخول تحت دعوة إبراهيم، ورزقنا طرفا من سلامة ذلك القلب ". تلك كلمات جار اللَّه في مكة المكرمة - الزمخشري (١).
وقد أحسَّ إبراهيم خليل اللَّه بالخشوع أمام ربه والضراعة إليه بعد أن دعا لولده وذريته بما دعا، وأدرك أن دعاءه فيه معنى التطاول مع علم ربه، وهو العليم بكل شيء فقال:
________
(١) الكشاف: ج ٢/ ٣٨٠.
(رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٣٨)
نادى ربه بضمير الجمع، فقال: (رَبَّنَا)، أي أنه ربه ورب ذريته، ورب الوجود كله. وأنه أعلم بحالهم، سرهم وعلانيتهم، وأن العلم على سواء يستوي فيه المغيب والمعلن وما غاب وما حضر، وكأنه يستدرك على دعائه؛ لأنه سبحانه هو الذي أسكنهم في ذلك الوادي الجدب، وهو الذي أقامهم بجوار بيته المحرم الذي يحرم فيه ما يباح في غيره من صيد وقتال لو كان عادلا، إلا أن يكون دفاعا، يعلم كل ذلك، بل إنه ما كان له أن يتطاول على مقام الألوهية بهذا الدعاء، وقد ابتدأ الدعاء بذكر حالهم من العلم بسرهم وجهرهم، ثم عمم علمه سبحانه