وجاء بعد هذه الحروف في السورة ذكر الكتاب الكريم، فقال تعالى: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرانٍ مُّبِينٍ) الإشارة إلى السورة، أو إلى المتلو بعد هذه الحروف، والكتاب بمعنى المكتوب، وقد وصفت الآيات بوصفين أولهما: أنها آيات الكتاب؛ لأنها معجزة بذاتها، فكل آيات من القرآن معجزة تعد من الكتاب المعجز؛ ولذلك كان يتحدى بالقرآن قبل تمام نزوله، وقد وصفت الآيات بأنها مكتوبة، ووصفت بأنها مقروءة متلوة، ولذلك جاء معطوفا على الكتاب قوله تعالى: (وَقُرانٍ مُّبِينٍ)، أي مقروء كريم، لأنه نزل مقروءًا من اللَّه، ولأنه محفوظ، ولأنه سجل الشرائع السماوية، ولأنه المحفوظ الخالد إلى اليوم، فالكتاب الكريم يوصف بأنه مكتوب، ويوصف بأنه مقروء، لأن طريقة تلاوته من عند اللَّه تعالى، فقد أُوحي إلى الرسول فكتب وحفظ، وقرئ وحفظ متلوا كما قال تعالى لنبيه: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩).
فالقرآن متواتر بكتابته وبقراءته وبتلاوته، فكان حفظه في الصدور مانعا من تحريف السطور، تلقى الناس القرآن فآمن قليل، وكفر كثير، وقد رجا المؤمنون ما عند اللَّه وطغى المشركون، وبغوا واعتدوا وفتنوا الناس عن دينهم، وإن اللَّه تعالى يبين أن الذين كفروا بهذا القرآن الكريم سيأتي الزمن الذي يودون فيه لو كانوا مسلمين، فيقول تعالى:
(رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (٢)
يقول العلماء في (رُبَّ): إنها لَا تتصل إلا بالاسم، فإذا دخلت على الفعل توسطت ما، وربما هي رب المخففة، وقد قرئت بضم الراء وبفتحها، وهما لغتان فيها.
وقالوا: إن (رُبَّ) تكون داخلة على الفعل الماضي، ولكنها هنا دخلت على الفعل المضارع لتأكد وقوعه فكان كفعل الماضي في معناه عند اللَّه تعالى، وإن معنى المُضي متحقق لفظا في (كَانُوا)، وربما تكون للتقليل وقد تستعمل للتكثير، والمعنى أنه ربما يود الذين كفروا في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين، وما


الصفحة التالية
Icon