لَمَجْنُونٌ)، فالكلام سوق لبيان تهكمهم على رسولهم، وإن كان فيه إشارة إلى التنديد بهم، وهو أنهم بدل أن يعتبروا ويتذكروا يتهكمون مع أنه ذِكْرٌ لهم.
وقد أكدوا دعواهم بجنونه فقالوا: (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) خاطبوا النبي - ﷺ - بذلك الخطاب الذي يبهت كل عاقل مدرك، أكدوه بـ (إنَّ) التي لتوكيد القول، وبالجملة الاسمية، وباللام، وإن هذا يدل على شدة تمسكهم بعبادة الأوثان حتى عدوا كل من يدعو إلى تركها مجنونا، ويدل على شدة طغيانهم وأنهم لَا يذعنون للحق، وإن دلت عليه دلالة واضحة بينة، ويدل ثالثا: على إمعانهم في إيذاء النبي - ﷺ - ومن معه من المؤمنين وبعد أن سارعوا بالإنكار، وادعاء أن النبي - ﷺ - جاءهم بغير المعقول، تعنتوا وزعموا أنهم يطلبون دليلا
(لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧)
(ما) نافية، و (لولا) نافية، إذا دخلت (لو) على (لا) - كانت بمعنى الامتناع للوجود مثل قوله تعالى: (... لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِين)، وِتكون بمعنى الحض مثل قوله تعالى: (... لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةَ...) مع امتناع الشيء الذي يحض عليه، وهو ما قبل (لا)، فإنها تدل على الحض، وعلى الامتناع لعدم وجود شيء فقوله تعالى:
(لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ) معناها الحض على أن تأتي به الملائكة، وعلى أن الامتناع عن الإيمان لأنه لم تأت به الملائكة، بيد أنه يلاحظ أن (لا) تدل على النفي في الحال والاستقبال، و (ما) تدل على النفي في الماضي، وقد جمع في هذه الآية الكريمة بين (ما)، وفعل المضارع بعدها، فدلت على أن الامتناع عن الإيمان في الماضي لعدم إتيان الملائكة ْبه، وأنهم مستمرون على عدم الإيمان ما دامت الملائكة لم تنزل به.
وقد رد اللَّه كلامهم الدال على الإمعان في الكفر، والتعلة للإيغال فيه، فقال في آية أخرى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩).
وتعنتوا بهذا وبغيره، واقرأ ما جاء أول سورة الأنعام، فقد قال اللَّه تعالى ردا عليهم: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ